موجز قانوني: مشروع التعديلات الدستورية


الخلفية:

منذ يناير 2018، بدأ بعض صُنّاع القرار ووسائل الإعلام في مصر بتسليط الضوء على أهميّة إجراء تعديلات دستورية. ورغم أن هذه الدعوات ركّزت في أوّل الأمر على مُدّة فترات الرئاسة قدّم “ائتلاف دعم مصر” يوم 3 فبراير 2019 حزمة أوسع نطاقًا إلى رئيس مجلس النواب تتضمّن مشروعًا لتعديلات دستورية. واستعرض المجلس هذا الاقتراح لتقييم مدى توافقه مع أحكام الدستور واللوائح الداخلية لمجلس النواب وصوّتت عليه “اللجنة العامة” يوم 5 فبراير، ثمّ وافق المجلس بعدها على مبدأ التعديلات بأغلبية ٤٨٥ نائبًا من أصل ٥٩٦ نائبًا.

 

المُلخَّص:

·     يقترح مشروع التعديلات الدستورية مدّ فترة الرئاسة من أربع سنوات إلى ست سنوات، بحد أقصى فترتين متتاليتين، كما توجد مادة انتقالية تسمح للرئيس الحالي بإعادة ترشّحه مرة أخرى بموجب التعديلات الجديدة بمجرّد انتهاء فترة ولايته الثانية الحالية.

·     يمنح مشروع التعديلات دورًا أكبر للقوات المُسلّحة، ويكلّفها بدور “صون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقوّمات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب، وحقوق وحريات الأفراد”.

·     ممارسة الرقابة الرئاسية على السلطة القضائية؛ إذ تسمح التعديلات للرئيس بتعيين رؤساء مختلف الجهات والهيئات القضائية وكذلك النائب العام، كما تسمح له بترأس المجلس الأعلى للهيئات القضائية.

·     تضمّنت المواد الأخرى المختلفة الموجودة في حزمة مقترح التعديلات إنشاء غرفة ثانية في البرلمان (مجلس الشورى)، يُعيّن الرئيس ثُلث أعضائها، وتحديد حصة للمرأة في مجلس النواب مع زيادة مستوى تمثيل الأقليات الأخرى، وكذلك استحداث منصب نائب واحد على الأقل للرئيس، وإلغاء سُلطة مجلس الدولة في مراجعة مشروعات العقود التي تكون الدولة أو إحدى هيئاتها طرفًا فيها.

 

الدلالة:

تُثير تعديلات الدستور الحالية المقترحة قلقًا شديدًا بشأن الطرق الأساسية والدائمة التي مِن شأنها تغيير المَشهد القانوني في مصر والعلاقات بين الدولة والمجتمع وديناميات السلطة. بتعديل الدستور والسماح للرئيس عبدالفتاح السيسي بإعادة الترشّح لفترتين متتاليتين لمدة ست سنوات بعد انتهاء فترة ولايته الحالية عام 2022 تخلق التعديلات واقعًا سياسيًّا يُمكن من خلاله الرئيس الحالي حُكم البلاد لفترة إجمالية تصل إلى 20 عامًا، فضلًا عن ذلك سيواجه مبدأ الفصل بين السلطات ضربة قاسية مع السماح للرئيس بممارسة الرقابة على السلطة القضائية، وتوسيع نطاق سلطة الجيش -للمرة الأولى- للحفاظ على نوع من الرقابة الدستورية والتشريعية.

ورغم ممارسة الرئيس الرقابة على الفروع القضائية والتشريعية للحكومة فإن التوسّع في السلطات الممنوحة للقوات المسلّحة، وكذلك توسيع صلاحيات السيسي ونفوذه بمثابة عملية مُستمرّة، وهو ما يعني أن تكريسها في الدستور يهدّد بتفكيك كامل لسيادة القانون ويمهّد الطريق أمام مواصلة تقليص المجال العام. وفي حين أن بعض التعديلات الدستورية المقترحة قد توفّر تمثيلًا أكبر لفئات الأقليات، سيجرى هذا التمثيل وسط سياق أوسع نطاقًا يهدف إلى تقليل النفوذ وإضعاف القدرة على اتخاذ القرار لدى صانع السياسات الفردي.

 

الخُطوات التالية:

بعد أن وافق مجلس النواب على مبدأ التعديلات بأغلبية ٤٨٥ نائبًا من أصل ٥٩٦ نائبًا، تُحال التعديلات المطلوبة إلى اللجنة الدستورية والتشريعية لمناقشتها والانتهاء منها خلال فترة زمنية تصل إلى ٦٠ يومًا. ويجوز للنواب الآخرين تقديم تغييرات على التعديلات خلال هذه الفترة الزمنية. وإذا وافقت اللجنة على التعديلات يُعاد المقترح إلى المجلس للمداولة والمناقشة والتصويت النهائي. وإذا وافق المجلس على التعديلات بأغلبية ثلثي الأعضاء تُرفع بعدها التعديلات إلى رئيس الجمهورية لتحديد موعد استفتاء شعبي عليها في غضون شهر على الأكثر من موافقة مجلس النواب.

 

 السياق القانوني:

دخل دستور مصر الحالي حيّز التنفيذ في يناير 2014، ليحلّ محلّ دستور مصر لعام 2012 الذي أُوقف العمل به عندما أُطيح بالرئيس السابق محمد مرسي من السلطة في يونيو 2013. ولأن التعديلات على معالجة الثغرات في الدستور هي جزء من تاريخ أي بلد في مرحلة انتقالية فإنّ عدم قدرة مصر على الحفاظ على دستور واحد لفترة تزيد على خمس سنوات يُشكِّك في استقرارها القانوني.

التعديلات الدستورية المُقترحة هي الأحدث في مجموعة من المقترحات التشريعية التي عزّزت سلطة الجهاز التنفيذي والعسكري والأمني ​​على حساب استقلال المؤسسات الأخرى وحُكمها الذاتي، بما في ذلك قانون السلطة القضائية وقانون الحصانة العسكرية، وقانون تنظيم الصحافة والإعلام الجديد، ومواصلة تمديد حالة الطوارئ على مستوى البلاد منذ أبريل 2017.

 

السياق السياسي:

تحت حُكم السيسي على مدار فترة تصل إلى ما يقرب من خمس سنوات، قمعت السلطات المصرية المؤسسات الإعلامية وجماعات المعارضة السياسية ونشطاء المجتمع المدني في محاولة منها للقضاء على جميع أشكال المعارضة وممارسة السيطرة على الحياة العامة. كما اتخذت الحكومة خطوات لتوطيد السلطة على مختلف الأجهزة الحكومية، وتهميش أي قوى سياسية معارضة، وإنشاء نظام حكم استبدادي. وأصبح مجلس النواب، على سبيل المثال، بمثابة ختم تشريعي أو أداة قانونية للموافقة على سياسات السلطة التنفيذية دون نقاش، كما أكّد العديد مِن النوّاب دعمهم للتعديلات الدستورية، زاعمين أن التغييرات ستضمن الاستمرارية والاستقرار خلال فترة انتقالية. وأفضى إحكام الرقابة على الشؤون السياسية إلى اقتراح هذه التعديلات التي من شأنها تأمين نفوذ السيسي وترسيخ دور الجيش في شؤون الدولة، كما تلمّح إلى أن أي معارضة حقيقية للتعديلات ستعامل بحزم، لا سيما أن كل هذا يحدث في حالة من الطوارئ مفروضة على عموم البلاد.

 

الالتزام بالمعايير القانونية:

تهدّد بعض التعديلات الدستورية المقترحة بانتهاك الالتزامات الدستورية القائمة في مصر. ورغم وضوح المادة 226 من الدستور التي تنصّ على أنه “في جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المُتعلّقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية والمساواة، ما لم يكن التعديل مُتعلّقًا بالمزيد من الضمانات” فإنه جرى الموافقة على مبدأ التعديلات مِن النوّاب دون أي طعن دستوري. كما أنه غير واضح كيف يُمكن للتعديلات المُقدَّمة على مدّة الفترة الرئاسية أن “تقدّم مزيدًا مِن الضمانات”، كما يتطلّب الدستور، عندما يكون من المحتمل أن تؤدي التعديلات إلى تعيين رئيس واحد يخدم فترة قد تصل إلى 20 عامًا، مع تعزيز العديد من الاتجاهات الإشكالية المذكورة أعلاه.

بالإضافة إلى ذلك، تنصّ المادة 186 من الدستور على استقلال القضاء، كما تهدّد إلى حدّ كبير التعديلات الدستورية التي تسمح للرئيس بممارسة سُلطته على التعيينات القضائية هذا الاستقلال وقدرة أنظمة المحاكم على الوصول إلى قرارات قد لا تكون في صالح الرئيس الحالي. ومن خلال تكليف القوات المسلحة بسُلطة “صون الدستور” تثير التعديلات المقترحة تساؤلات خطيرة تتعلق بكيفية القيام بهذه المهمة رغم وجود مؤسسات مهمة قائمة للدولة تعمل بالفعل على سيادة القانون في البلاد، بما في ذلك مجلس النواب باعتباره السلطة التشريعية (بموجب المادة 101)، والمحكمة الدستورية العليا باعتبارها الجهة المختصّة على وجه الحصر لتحديد دستورية القوانين وتفسير النص التشريعي (بموجب المادة 192(.

ولأن هذه التعديلات المقترحة تنطوي على خطر مدّ فترة نظام الحكم الذي أسفر عن تدهور كبير في حقوق المصريين وحرياتهم فإن التزامات مصر الدستورية والقانونية الدولية بالمعاهدات مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تدعو إلى التساؤل.

 

نص مشروع القانون:

متاحة هنا نسخة من مشروع التعديلات كما قُدّمت إلى رئيس مجلس النواب في 3 فبراير 2019، وكما أصدرها النائب هيثم الحريري. ومتاحة أيضًا هنا نسخة من تقرير اللجنة العامة الرسمي بشأن اقتراح التعديل.

 

تغطية معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط (TIMEP):

·     موجز إعلامي: التغييرات المُحتملة لمُدّة الفترة الرئاسية المصرية (موجز- معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط)

·     تعديل دستور مصر (إنفوجرافيك – معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط)

: اقرأ التالي

يلقي عمر طالب نظرة معمّقة على الظروف السياسية والتكييفات القانونية التي أدت إلى إسقاط تهم الفساد…

يعاني "نزلاء" السجون الجديدة في مصر من عنف خفي وانتهاكات منهجية، بينما تقول الدولة أنها طورت…

يظل الاغتصاب الزوجي جريمة بدون عقاب في نظر القانون المصري، وكثيرًا ما تعجز النساء اللاتي يتعرضن…