قمة المناخ: منح المزيد من صكوك الغفران 

للعدالة المناخية أهمية قصوى للجميع، بما في ذلك الأرواح التي أصبح الغد بالنسبة لها سرابًا بعيد المنال. نأمل ألا تُقابل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالتجاهل، أن تُجسد الأسابيع التي تسبق مؤتمر المناخ (كوب27) تقاطع العدالة المناخية وحقوق الإنسان مع مواقف قوية ضد الستار المنصوب لإخفاء الانتهاكات الشنيعة لحقوق الإنسان ، أن يتم على الأقل التركيز على التجاوزات وتسليط الضوء عليها من خلال المؤتمر لإظهار مدى التزام الإدارة الأمريكية بالقيم والكرامة الإنسانية. نرغب في رؤية أفعال ملموسة ومسيرة تتناسب مع الخطاب.


.here Read this article in English

“لا مزيد من صكوك الغفران لديكتاتور ترامب المفضل”.

ترددت هذه الكلمات في رأسي وأنا أقرأ إعلانًا بأن الرئيس بايدن قد يحضر مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ هذا العام، المعروف باسم مؤتمر المناخ كوب27 (COP 27)، والتي تستضيفها مصر في مدينة شرم الشيخ.

غضبت بشدة عندما تذكرت نوفمبر/تشرين الثاني 2020. نادرًا ما يمكن التواصل مع السجناء، لكن الكلمات تجد طريقها من تحت الأسوار وعبر القضبان، ومع تنصيب الرئيس بايدن قبل عامين، شق الأمل طريقه إلى الزنازين الكئيبة وأركان السجن المظلمة. ملأت الأخبار المتعلقة بصكوك الغفران وتحولات السياسة قاعات الزيارة في السجون، لن تقف إدارة بايدن مكتوفة الأيدي وتسمح باستمرار انتهاكات حقوق الإنسان – سنعود إلى منازلنا قريبًا.

هزتني الرسائل المهربة من أصدقائي المسجونين. بالطبع سمعت مثل هذه الشائعات من قبل. لأكثر من ست سنوات، كنت أتنقل بين سبعة سجون ومنشآت اعتقال كسجين سياسي، وبين عامي 2013 و2020، أنهكتني الآمال الكاذبة ضربًا حتى صرت عاجزًا عن الأمل.

ثبتت صحة شكوكي أسرع مما كنت أتخيل مع تراكم خيبات الأمل، حتى جاءت الضربة الأخيرة هذا الأسبوع. قرر الرئيس بايدن تعزيز مصداقية النظام المصري الدولية من خلال حضور فعالية هدفها إخفاء جرائم النظام المروعة. منذ الإعلان عن الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر المناخ (كوب27) وحتى السادس من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حين يبدأ المؤتمر، تعمل الدولة المصرية كل ما في وسعها لنشر دعايتها الرسمية عبر جميع القنوات، وتحقيق الشرعية العالمية التي تسعى إليها باستمرار. وباعتبارها خبيرة في اللغة المضللة، أطلقت مصر موقعًا إلكترونيًا رسميًا للقمة لعرض أنشطة “الاستدامة” في شرم الشيخ، والتعهد بالتزامها بقضايا المناخ.

في تطور أورويلي [نسبة إلى جورج أوريل مؤلف رواية 1984] متوقع، تعاقدت مصر أيضًا مع شركة هيل+نولتون ستراتيجيز (Hill+Knowlton Strategies)، وهي شركة علاقات عامة لها سجل حافل في تبيض سمعة شركات النفط الكبرى، لإدارة الاتصالات والعلاقات العامة فيما يتعلق بمؤتمر المناخ (كوب27). ذكر موقع أوبن ديموقراسي أن قائمة عملاء هذه الشركة من ملوثي البيئة تضم شركات مثل شركة كوكاكولا وإكسون موبيل وشل وشيفرون.

ومع ذلك، لا ينتهي الأمر عند دعاية الدولة والغسيل الأخضر (جهود تبيض السمعة المتعلقة بأمور البيئة). الهدف الآخر الذي يسعى إليه النظام المصري بإصرار هو اللعب ببطاقة الدعم من أجل تغيّر المناخ لتأمين أكبر مبلغ من التمويل الذي يحتاجه بشدة. صرحت رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي المصرية، في مايو/أيار الماضي في حديث مع صحيفة الجارديان أن حشد القطاع الخاص مثّل نجاحًا كبيرًا لمؤتمر المناخ الماضي (كوب26)، لدرجة أنه “بدلاً من حديث المليارات فحسب، بدأت كلمة التريليونات في الظهور”. وسلطت الضوء على حقيقة أن هذه التريليونات يجب أن تُوجه إلى البلدان التي هي في أمس الحاجة إليها، ومن السهل تخمين البلد الذي كانت تلمح إليه. وكرر وزير المالية المصري، محمد معيط، نفس الفكرة من خلال التأكيد على أن معالجة قضايا الديون المتصاعدة وتأمين الاستثمارات ستكون أولوية رئيسية لمصر في مؤتمر المناخ هذا العام.

في ظل التاريخ المشين لسجل حقوق الإنسان في مصر، من المخيب للآمال رؤية الحكومة الأمريكية تُساير ادعاء الدولة المصرية الاهتمام بالتغيّر المناخي، والمشاركة النشطة في الغسيل الأخضر لانتهاكات حقوق الإنسان في بلد لا شيء فيها يُعاد تدويره سوى السجناء السياسيون في قضايا جديدة. تتضاعف خيبة الأمل عندما نعلم أن الفعالية المحتملة لهذا السلوك الأمريكي حقيقية للغاية.

كما شهدنا في الأشهر الماضية، يمكن أن يؤدي الضغط الأمريكي والدولي إلى خَرق كبير في جدران السجن بما يؤثر على الظروف الكارثية التي يعيشها السجناء السياسيون في مصر كل يوم، حتى لدرجة إطلاق سراح العديد من المعتقلين ظلماً. كمستفيد كبير من المساعدات العسكرية الأمريكية، وكونها بحاجة إلى موقف إيجابي من جانب الولايات المتحدة بشأن قرار صندوق النقد الدولي بالموافقة على القرض الذي طلبته مصر في مارس/آذار 2022، لم تُظهر مصر أي مرونة فيما يتعلق بحقوق الإنسان إلا عندما تعرضت لضغوط من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين.

لاحظنا هذه الديناميكيات في الخريف الماضي عندما، بسبب تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر، حجبت وزارة الخارجية الأمريكية 130 مليون دولار من المساعدات الأمنية السنوية، وذكرت أن موضوع المعتقلين السياسيين كان دافعًا رئيسيًا للقرار. في يناير/كانون الثاني 2022، أعلنت إدارة بايدن أنها ستعيد توجيه 130 مليون دولار إلى برامج أخرى.

وبعد فترة وجيزة، اتخذ النظام المصري إجراءات مفاجئة ردًا على هذه التطورات، بإعلانه إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي عن السجناء السياسيين، والدعوة إلى “حوار سياسي شامل” مع منظمات المجتمع المدني والمعارضة.

أُطلق سراح العديد من النشطاء من الحبس الاحتياطي، مع وعود بالمزيد في المستقبل. ومع ذلك، لا تزال الأعداد المُفرَج عنها تشكل جزءًا صغيرًا – عشرات السجناء – نسبةً للعدد الإجمالي للسجناء السياسيين، والمقدر بعشرات الآلاف على الأقل. أدركنا أن هذه المرة لا تختلف ، فالسجناء السياسيون لا يمثلون إلا ورقة مساومة تُستخدم لإرضاء الرأي العام الدولي، ثم توضع على الرف بمجرد إنجاز الهدف المطلوب.

منذ أن أعلنت الدولة المصرية عن هذه الخطوات، حل محل كل سجين يُفرج عنه عشرات من المعتقلين الجدد. أُعيد تدوير عدد من الأشخاص الذين صدر لهم أوامر بالإفراج في قضايا جديدة تمامًا مثلما حدث في السابق. السجناء المفرج عنهم – مثل شريف الروبي الذي تم العفو عنه مؤخرًا – ُيُقبَض عليهم مرة أخرى حالَ تحدثوا عن ظروف احتجازهم. لم تتوقف حالات الاختفاء القسري، بل ازدادت، وقبل ثلاثة أشهر، حجبت الدولة موقع المنصة – إحدى المنصات الصحفية المستقلة البارزة في مصر – في أحدث محاولة للرقابة على كُتاب الموقع ومحتواه، مُضيفةً الموقع إلى عدد كبير من المنصات المماثلة، مثل مدى مصر وأكثر من 500 موقع إليكتروني محلي ودولي للمنظمات ووسائل الاعلام الإخبارية.

لا يزال السجناء السياسيون المصريون يقبعون خلف القضبان، ومع اقتراب عقد مؤتمر المناخ (كوب27)، تتجدد الرسالة: لقد تخلى العالم عنهم. يقترب الآلاف من عامهم التاسع في السجون بسبب أفعال بسيطة مثل المشاركة في مظاهرة. رأوا أحباءهم يموتون دون أي فرصة لتقبيل جباههم لوداعهم، يكبر أطفالهم ويتخرجون ويتزوجون وينجبون أطفالًا، تضعف أجسادهم ويتحول شعرهم إلى اللون الأبيض – ويستمر الكابوس بلا نهاية في الأفق.

تخطى المواطن المصري البريطاني علاء عبد الفتاح حاجز ال 200 يوم في إضرابه عن الطعام. علاء، أحد أبرز السجناء السياسيين في العالم العربي، يُجَوِّع نفسه بعد أن استنفذ جميع الخيارات الأخرى للمطالبة بالزيارات القنصلية وحقوق الإنسان الأساسية، بينما تواصل الدولة المصرية تجاهله.

قبل شهرين، قام رئيس المباحث في سجن طرة بالاعتداء على أحمد دومة بوحشية وانتهاكه ، واقفًا فوق جسده الضعيف المقيد يصرخ وهو يركله، “انت تحت جزمتي .”

تستمر الانتهاكات في الحدوث، لكن هذا الانفتاح متناهي الصغر، الذي سمح لعشرات السجناء للخروج إلى العالم من وراء الجدار، يمكن بالتأكيد توسيعه بما يكفي لدفع المئات، وربما الآلاف، ليروا ضوء الشمس مرة أخرى إذا كانت النية موجودة.

للعدالة المناخية أهمية قصوى للجميع، بما في ذلك الأرواح التي أصبح الغد بالنسبة لها سرابًا بعيد المنال. نأمل ألا تُقابل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالتجاهل، أن تُجسد الأسابيع التي تسبق مؤتمر المناخ (كوب27) تقاطع العدالة المناخية وحقوق الإنسان مع مواقف قوية ضد الستار المنصوب لإخفاء الانتهاكات الشنيعة لحقوق الإنسان ، أن يتم على الأقل التركيز على التجاوزات وتسليط الضوء عليها من خلال المؤتمر لإظهار مدى التزام الإدارة الأمريكية بالقيم والكرامة الإنسانية. نرغب في رؤية أفعال ملموسة ومسيرة تتناسب مع الخطاب.

إلى الرئيس جو بايدن: من سجين سياسي مصري سابق، وبقدر ما أكره إفساد العرض – لا أرى ما يحدث سوى صكوكَ غفران شديدة المجانية.

 

 عبد الرحمن الجندي كاتب وسجين سياسي مصري سابق، أمضى ست سنوات وثلاثة أشهر خلف القضبان.

: اقرأ التالي

يلقي عمر طالب نظرة معمّقة على الظروف السياسية والتكييفات القانونية التي أدت إلى إسقاط تهم الفساد…

يعاني "نزلاء" السجون الجديدة في مصر من عنف خفي وانتهاكات منهجية، بينما تقول الدولة أنها طورت…

يظل الاغتصاب الزوجي جريمة بدون عقاب في نظر القانون المصري، وكثيرًا ما تعجز النساء اللاتي يتعرضن…