كيف أصبح اللاجئون والنّازحون أكثر عُرْضة للإصابة بمرض كوفيد-19؟


في الوقت الذي يتكيَّف فيه العالم مع المعايير الجديدة للتعامُل مع فيروس كورونا (كوفيد-19) المُستجد، يُحاول أكثر مِن 70 مليون شخص ِمن المهجّرين قسريًّا حول العالم التعايش مع بيئات جديدة والسّعي إلى حماية أنفسهم مِن هذه الجائحة. ولا شك أنَّ جميع البشر حول العالم باتوا اليوم عُرْضة للإصابة بالفيروس، لكن ليس جميعهم عُرْضة للإصابة بالقدر نفسه.

رغم أنّ تفشّي كوفيد-19 قد تسبَّب في أزمة صحية عالمية، فإنّه مِن المهمّ الوضع في الاعتبار أنّ هذه الأزمة أصبحت مشكلةً أخرى تُضاف إلى المخاطر العديدة التي يواجهها النازحون واللاجئون. ففي ظل استمرار العنف والنزاع، رغم دعوات أممية لهدنة عالمية عقب تفشي الجائحة، يُواجه النّازحون معضلة البقاء في منازلهم غير الآمنة أو الفرار بحثًا عن أماكنَ أخرى آمنة. ووفقًا للمفوضية السّامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في كل ثانيتين يضطرّ شخص حول العالم إلى النّزوح بسبب تعرُّضه للنزاع أو الاضطهاد، ولم تخف حدة هذا العناء رغم تفشّي فيروس كورونا. فالمجتمعات النازحة مُتأثّرة بشكل أو بآخر بالجائحة بسبب تحديات النزوح والعوامل السياسية القائمة التي تزيد مِن تقييد قُدرة اللاجئين على التكيُّف والتعافي وإعادة البناء.

مع تفشِّي فيروس كورونا المستجدّ، نادرًا ما يكون النازحون في وضعٍ يجعلهم يلتزمون بالتدابير الاحترازية والوقائية لأنّ بيئة النزوح في الغالب لا تستطيع أن تمنع تفشّي الفيروس أو حتى تعوقه، ورأينا ذلك يحدث مع الكوليرا وإيبولا، وعلى الأرجح سيحدُث الشيء نفسه مع كوفيد-19.

في حالات عديدة، لا يستطيع الأشخاص البقاء في الحجر الصحي في منازلهم المُتضرّرة أو المُدمّرة بسبب النزاع ويدفعهم ذلك في الغالب إلى العَيش في المخيّمات. وفي كثيرٍ من الأحيان، يعيش النازحون في أماكنَ شديدة الازدحام لا تسمح بأي خصوصيةٍ، ناهيك بالحفاظ على المسافة الآمنة بينهم. وتتفاوت الظروف في هذه المخيّمات، لكن عدم وجود التمويل الكافي لجهود المساعدة ـوسياسات الحكومات المضيفة تزيد من معاناة الكثير من أولئك النّازحين، خاصّة بما يتعلق بسوء الصرف الصحي والحصول على المياه النظيفة. كما أنّ بعض المخيّمات غير مجهزةٍ حتى بمراحيض عامّة وهو ما يُجبر سكّان هذه المخيّمات على استخدام الأراضي الخالية القريبة دون مراعاةٍ للمعايير العالمية المُتعلِّقة بالنظافة الصحية. ولا تفتقد المجتمعات النازحة القدرة على اتِّباع التدابير الاحترازية وممارستها فحسب، بل هي أكثر عُرْضة للإصابة بالفيروس.

يعيش نحو 80% مِن اللاجئين في بلدان مجاورة، والتي عادةً ما تكون دولًا منخفضة أو متوسّطة الدَّخل وتُعاني مِن أنظمة صحية ضعيفة أو تتحمَّل ما يفوق طاقتها. وفي بعض الحالات تستهدف النزاعات البِنية التحتيَّة الصحيَّة وتقضي تمامًا على المرافق والمعدّات الطبيّة المُتوفّرة. ففي سوريا، أدت الهجمات الممنهجة على المرافق الصحيّة في إدلب إلى حرمان النازحين من الموارد الضرورية لمواجهة التفشّي المُحتمَل للفيروس. كما نتج أيضًا عن الحصار المفروض على غزة -الذي يُعدّ تكتيكًا حربيًّا آخر- نقص الإمدادات الطبيّة والمائيّة والصحيّة وتدهور حياة المدنيين، وأثّر ذلك بكلّ تأكيد تأثيرًا سلبيًّا على قدرة أهل غزة على مواجهة تفشّي كوفيد-19.

يُعاني النّازحون، بالإضافة الى ذلك، معاناة متفاوتة من الظروف الصحية السيئة بسبب صعوبات النّزوح، والتي كثيرًا ما تُسفر عن ارتفاع مُعدّلات سوء التغذية. وكذلك يعاني اللاجئون من مشاكل صحية أخرى تتسبب في ضعف مناعتهم و تجعلهم أكثر عُرْضَة للإصابة بالمرض. ومع تفشّي فيروس كورونا المستجدّ في اليمن، لم تَعُد المرافق الطبية هناك جاهزة على الإطلاق للتعامُل مع الفيروس، كما أنّ السنوات العديدة التي عانى فيها اليمن مِن سوء التغذية ونقصها أدّت إلى مئات الآلاف مِن الوفيات بين صفوف اليمنيين الذين أنهكهم النزاع المُحتدم.

مِن الواضح أنّ المجتمعات النازحة تُواجه خلال هذه الجائحة مجموعة مِن التحديات الكبيرة مِن صُنع الإنسان والسياسة. ومع أنّ الحكومات تتخذ إجراءات أكثر صرامة لتأمين حدودها وحماية شعوبها، فإنّ البعض يستخدم هذه السياسات لمنع اللاجئين وتقييد قُدرتهم على طلب اللجوء. وكثيرًا ما يكون النازحون هُم أوَّل مَن يتعرَّضون إلى اللوم والاتهام بأنّهم سبب تفشّي الفيروسات. فقد اتَّهم رئيس الوزراء المجري اللاجئين بأنّهم السبب في انتشار الجائحة وطالب بضرورة ترحيلهم، وسار على النهج نفسه سياسيون آخرون في أوروبا والولايات المتحدة، حيث قاموا بإلقاء كل اللوم على النازحين واتَّهامهم بأنهم سبب تفشّي الجائحة على الرغم من عدم وجود أي دليلٍ على ذلك. عندما يوصم اللاجئون بهذا العار فإنّهم يُخاطرون بإخفاء الأعراض أو يتجنَّبون طلب العلاج وهكذا يُعرِّضون صحة الجميع إلى الخطر.

مع زيادة القيود المفروضة على حركة الأشخاص ازدادت أيضًا صعوبة وصول المُنظّمات الإنسانية إلى الفئات السّكنية الأكثر عُرْضة للإصابة. مِن المعروف أنّه قبل تفشّي مرض كوفيد-19 كان مِن الصّعب على المُنظّمات الإنسانية الوصول إلى مناطق مثل سنجار في العراق وتعز في اليمن، وكانت الجهات المُسلَّحة الكثيرة ونقاط التفتيش العديدة والنّزاع المُستمرّ في هذه الأماكن من المشاكل الدائمة التي تعوق الوصول إلى الفئات السكنية الضعيفة والأكثر عُرْضة للإصابة، ومع ذلك أصبحت هذه المناطق أكثر عزلة وانفصالًا بينما يكافح سكانها لمواجهة تفشّي الفيروس.

تُشير تجربة المجلس النرويجي للاجئين إلى أنه «كثيرًا ما يُستبعَد النّازحون مِن التخطيط للاستعداد لمواجهة الكوارث والأوبئة حتى في أفضل الأحوال»، لذا على السّلطات المحليَّة والمُنظَّمات الدولية والجهات المانحة العمل المُشترك لضمان اندماج النازحين بالكامل وإدراجهم في التخطيط لمواجهة الكوارث والأوبئة. كما يحتاج المجتمع الدولي أيضًا إلى التأكُّد مِن أنّ المجتمعات النازحة تحظى بالأولوية في البرامج التي تُقدِّم اللقاح اللازم لمواجهة الفيروس وكذلك ضمان استفادتها من الجهود الأخرى المبذولة لمواجهة تفشّي هذا الفيروس.

يجب توفُّر فرص متساوية لجميع النازحين تُتيح لهم الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية وخاصّة في المناطق التي تكون فيها ظروف المعيشة للاجئين والمجتمعات النازحة داخليًّا موحشة وسيئة. كما يجب أن تسمح الحكومات المحلية بوصول المساعدات الإنسانية إلى الجميع وعدم فرض الطابع السياسي على المساعدات واقتصار تقديمها على المناطق الخاضعة لسيطرتها، فضلًا عن ذلك لا بدّ من تطبيق جميع التدابير الاحترازية التي تتخذها الحكومات على الجميع في أراضيها دون تمييزٍ.

ومِن الضروري ألا يُؤدّي تفشّي الفيروس إلى مزيدٍ مِن التفرقة ضد الفئات المُهمَّشة والأكثر عُرْضَة للإصابة. وعلى الجهات المانحة التي تُقدِّم المساعدات الإنسانية أن تضطلع بدورها أيضًا، فالمُنظّمات الإنسانية تحتاج مرونة في التمويل حتى تتمكَّن مِن زيادة برامج توفير المياه والصرف الصحي والنظافة الصحيَّة وتحسين الاستجابة الصحيّة واتّخاذ الإجراءات الضرورية للمساعدة في تجنُّب حدوث كارثةٍ.

مِن الجدير بالذِّكر أنّ المنظّمات الإنسانية تُؤدّي دورًا مهمًّا في مكافحة الذّعر والهلع والمعلومات الخاطئة، وأحد مهام عمل المجتمعات الإنسانية هو التأكُّد مِن وصول النازحين إلى المعلومات الدقيقة ورفع مستوى الوعي في ما يتعلَّق بكيفية حماية الأفراد لأنفسهم. وكثيرًا ما تُستخدم لغة مثيرة للقلق لوصف مخاطر هذا الفيروس ممّا يتسبَّب في إثارة المخاوف بين النازحين الذين تعرَّضوا بالفعل لما يكفي من الصدمات، لذا على العاملين في المجال الإنساني أن يُؤدّوا دورهم ويُحقّقوا الاتزان بين رفع مستوى الوعي ووضع توقّعات حقيقية بهدوءٍ.

على الرغم مِن أنّ الحكومات حول العالم تعمل على مكافحة فيروس كوفيد-19، مِن المهمّ أن تتضمَّن جهود الحماية المبذولة أولئك اللاجئين. العالم يواجه فيروس عشوائي، والسياسات الشاملة غير التمييزية وحدها قادرة على مكافحة الجائحة بشكل تام.

: اقرأ التالي

يلقي عمر طالب نظرة معمّقة على الظروف السياسية والتكييفات القانونية التي أدت إلى إسقاط تهم الفساد…

يعاني "نزلاء" السجون الجديدة في مصر من عنف خفي وانتهاكات منهجية، بينما تقول الدولة أنها طورت…

يظل الاغتصاب الزوجي جريمة بدون عقاب في نظر القانون المصري، وكثيرًا ما تعجز النساء اللاتي يتعرضن…