إدانة المحاكمات الصورية في السودان: ما بين فشل الغرب وتواطؤ المجلس العسكري

اتهم المجلس العسكري الشباب، بعضهم في سن المراهقة من خلفيات متواضعة، بقتل قوات الأمن. وتعرَّض أولئك الذين يُواجهون مثل هذه التهم الجنائية الخطيرة للاختفاء القسري، والحرمان مِن الإجراءات القانونية الواجبة، وبلغ الأمر في بعض الحالات حدّ التعذيب. رغم ذلك، التزم أغلب المسؤولين الغربيين الصمت بشأن محنة أولئك الشباب.


.here Read this article in English 

منذ الانقلاب الذي شهده السودان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، صوَّر الانقلابيون حركة الاحتجاج السلمية على أنها تهديد للأمن والسلام كذريعةٍ لتبرير القمع ضد المدنيين، سواء داخل صفوف قواتهم أو أمام المجتمع الدولي.

كجزءٍ من هذه الاستراتيجية، اتهم المجلس العسكري الشباب، بعضهم في سن المراهقة من خلفيات متواضعة، بقتل قوات الأمن. وتعرَّض أولئك الذين يُواجهون مثل هذه التهم الجنائية الخطيرة للاختفاء القسري، والحرمان مِن الإجراءات القانونية الواجبة، وبلغ الأمر في بعض الحالات حدّ التعذيب. رغم ذلك، التزم أغلب المسؤولين الغربيين الصمت بشأن محنة أولئك الشباب.

أحد أشهر المتّهمين هو محمد آدم، البالغ من العمر 17 عامًا، والمعروف وسط عائلته وأقرانه باسم توباك. في 15 يناير 2022، اختطفته قوات الأمن من مستشفى بالعاصمة الخرطوم، حيث كان يتعافى من – إصابته بجروح جراء الاحتجاجات المناهضة للانقلاب.

سرعان ما أدرك آدم أنه كان واحدًا من بين أربعة صبية مُتّهمين بقتل ضابط شرطة ذي رتبة رفيعة. وكان هؤلاء المتهمون هم: محمد آدم ومحمد الفاتح وأحمد الفاتح ومصعب الشريف. وأُدرجت الطبيبة والناشطة زينب الأمين لاحقًا في القضية بتهمة “التحريض على العنف” ضد قوات الأمن. وكحال باقي المتهمين، قال محامي آدم إنه احتُجز في سجن انفرادي بمعزل عن العالم الخارجي طيلة ثلاثة أسابيع، حيث جرى استجوابه في الغالب بشأن مصادر التمويل الاحتجاجات ومشاركته في مجموعة احتجاجية تسمّى غاضبون، إشارة إلى “الشعب الغاضب”.

بيد أنّ آدم لم يتنكر لأقرانه أو أصدقائه، فعذبته قوات الأمن حتى يعترف بقتل ضابط شرطة كبير. وفقًا لمحاميه ووالدته، اللذين التقيت بهما خلال رحلتي الأخيرة إلى السودان، فإن حراس السجن دقوا مسامير في كاحله، وكبّلوه رأسًا على عقب، وأحرقوه بالسجائر، كما حُرم أيضًا من العلاج الطبي.

أثارت أنباء التعذيب موجة من الغضب بين الحركة المؤيدة للديمقراطية في البلاد، التي ترى أن آدم يشبه باقي الشبان والفتيان في مجتمعاتهم المحلية، وليس ناشطًا بارزًا أو سياسيًّا.

ظهر ذلك جليًّا عندما تجمّع المحامون والنشطاء ومتظاهرون الآخرون خارج قاعة المحكمة في أول جلسة في مايو/ أيار للمطالبة بالإفراج عن آدم والمتهمين الآخرين على وجه السرعة. في حين فشلت بعثة الأمم المتحدة في السودان والاتحاد الأوروبي ودول الترويكا (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج) في تعزيز دعواتها، ورحَّبت بدلًا من ذلك برفع حالة الطوارئ التي حدثت في اليوم نفسه، إذ صرّح الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بأن هذه الخطوة بمثابة “خطوة أولى إيجابية” من شأنها خلق بيئة مواتية للحوار بين القوات المدنية والجيش، وهو إطار يرفضه المحتجون.

كما شدد بيان الاتحاد الأوروبي على ضرورة التزام السلطات السودانية بالإجراءات القانونية الواجبة لكل مَن يواجه تهمًا جنائية، لكن وفقًا لنشطاء وجماعات حقوقية، فإنه من الواضح أن محاكمة آدم تفتقر إلى الإجراءات القانونية الواجبة. في أثناء التحضير للمحاكمة، لم يتمكّن محامو الدفاع حتى من الاطلاع على أدلة الإدانة، وهو الأمر الذي ترى الجماعات الحقوقية والمحامون السودانيون أنه بمثابة انتهاك واضح يقوض الحق في محاكمة حرة. وقد فسّر العديد من المتظاهرين أيضًا الصمت الغريب للمجتمع العالمي بشأن قضية آدم بأنّه دليل على إعطاء الأولوية للإفراج عن المعتقلين البارزين، ممّن بمقدورهم تسريع إبرام صفقة سياسية مع المجلس العسكري، على حساب حماية حقوق الإنسان للأشخاص العاديين، وسواء كان ذلك صحيحًا أم لا، فإن الجوانب الظاهرة للعيان لا تبدو جيّدة.

ممارسة الضّغط

مِن الضروري أن يضغط الاتحاد الأوروبي وبعثة الأمم المتحدة في السودان ودول الترويكا علنًا على المجلس العسكري لإسقاط جميع التهم الموجهة عمن جرى اعتقالهم بشكل غير قانوني واتهامهم وحرمانهم من الإجراءات القانونية الواجبة منذ الانقلاب، بما في ذلك إدانة المحاكمات الصورية، التي تقلب حياة الشباب الذين ليس لديهم أصدقاء بارزون من النخب السودانية أو من المسؤولين الغربيين للضغط على المجلس العسكري نيابة عنهم.

مِن الجدير بالذكر أنّ عدم اتخاذ المجتمع الدولي موقفًا إزاء ذلك يهيّئ الفرصة عمليًّا للمجلس العسكري للإفلات التام مِن عقاب سجن المتظاهرين وربما إصدار عقوبات ضدهم، مُنتهكًا بذلك الإجراءات القانونية والالتزامات الدوليّة. فقد اتّخذ المجلس العسكري بالفعل خطوات ملموسة لتقويض نزاهة القضاء بإعادة عددٍ من الإسلاميين الموالين للنظام السابق لعمر البشير إلى مناصب مؤثرة على مستوى الولايات والمستوى الفيدرالي مقابل الدعم السياسي للانقلاب، وليس على أساس الكفاءة.

رغم أن محامين سودانيين أخبروني أن القاضي الذي ترأس محاكمة آدم يتمتّع بسمعة طيبة، فإن اعتقال المتهمين ومعاملتهم السيئة يُعدان انتهاكًا للمعاهدات الدولية التي صدّق عليها السودان، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (UNCAT)، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (ICPPED). في الواقع، تنصّ المادة 15 من اتفاقية مناهضة التعذيب بوضوحٍ على عدم الاستشهاد بأي أقوال يثبت أنه تمّ الإدلاء بها نتيجة للتعذيب كدليل في المحكمة، إلا لتجريم الشخص المتهم بالتعذيب.

وقد دفع محامو آدم بالحجة نفسها عندما بدأت المحاكمة. على الرغم من أن القانون المحلي في السودان -لا سيما قانون الإثبات– لا يوفر الحماية ذاتها التي توفرها اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، إلا أن القاضي أمر بعرض آدم على لجنة طبية لفحصه والتحقق من ادّعاءاته بالتعذيب، ثم كتابة تقرير يفترض تسليمه إلى القاضي. ورغم ذلك، في 23 يونيو، تم تأجيل المحاكمة إلى أجل غير مسمّى بعد أن استأنف الادعاء قرار المحكمة بمنح الدفاع حق الاطلاع على أدلة الإدانة. كما قالت محامية الدفاع عن آدم إنها تخشى أن يعبث الانقلابيون بنتائج التقرير الطبي، لكنها تأمل في الأفضل. وليس مِن الممكن ضمان اتباع الإجراءات القانونية والطبية على نحو صحيح وإجراء محاكمة عادلة، وهو حق يجب على السودان حمايته بعد التصديق على الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية في عام 1986.

تجدر الإشارة إلى أن آدم ليس الحالة الوحيدة، إذ وُجّهت لثلاثة شبان آخرين تهمة التآمر لقتل ضابط في المخابرات العسكرية، وكما حدث مع آدم، اختُطف المتهمون في هذه القضية وجرى تعذيبهم، وفقًا لمحاميهم. كما حُرم مؤمن سعيد، أحد المتهمين، من العلاج الطبي العاجل منذ مارس/ آذار قبل الإفراج عنه بكفالة في 12 يونيو/ حزيران.

ينبغي على المجتمع الدولي إدراك أن هذه المحاكمات سياسية وليست متأصلة في السعي الحقيقي لتحقيق العدالة، في حين لم يُحاسب أي مِن ضباط الأمن على مقتل أكثر من 100 من المتظاهرين المناهضين للانقلاب، على الرغم من وعود المجلس العسكري التي لا تعدّ ولا تُحصى بإجراء تحقيقات داخلية.

من ثم، يستطيع المجتمع الدولي أن يرسل رسالة قوية إلى المحتجين بالضغط لإطلاق سراح هؤلاء الشبان الذين يحاكمون، كإشارة إلى إدراكه أن حركة الاحتجاج سلمية وأن النظام القضائي مهدّد، وأن المحاكمات تهدف إلى معاقبة الشباب لتحديهم انقلاب 25 أكتوبر 2021.

بيد أن الدفاع عن المحتجين ينبغي أن يكون جزءًا من محور سياسي أوسع، وعلى القوى الغربية أن تدعم بصدق مطالب الحركة المؤيدة للديمقراطية، وليس حقها في التظاهر فحسب. وهذا ينطوي على التوقف عن محاولتهم التي تسعى إلى التوسط في صفقة سياسية بين النخبة من السياسيين المدنيين والمجلس العسكري، لأن من دون دعم شعبي فإن مثل هذه الصفقة ستوجه ضربة قاضية لمصداقية المجتمع الدولي في عيون الشارع السوداني. كما يمكن أن تضفي الشرعية على حملة قمع عنيفة ضد المتظاهرين المعارضين للاتفاق.

و من الواضح وجود حاجة إلى نهج أكثر إبداعًا يرتكز على دعم السياسات التصاعدية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، فبعد شهور من التصفيق للمتظاهرين على مواجهة الانقلاب، حان الوقت لأن يظهر المسؤولون الغربيون القليل من الشجاعة في التعامل مع هذا الموقف.

مات ناشد، صحفي ومحلل مُتخصّص في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

: اقرأ التالي

يلقي عمر طالب نظرة معمّقة على الظروف السياسية والتكييفات القانونية التي أدت إلى إسقاط تهم الفساد…

يعاني "نزلاء" السجون الجديدة في مصر من عنف خفي وانتهاكات منهجية، بينما تقول الدولة أنها طورت…

يظل الاغتصاب الزوجي جريمة بدون عقاب في نظر القانون المصري، وكثيرًا ما تعجز النساء اللاتي يتعرضن…