نساء في سجون مصر: حكايات القمع والتنكيل وانتهاك الحقوق

في سجون النساء التعامل مبني على الاضطهاد المضاعف، والقمع المضاعف على أساس الجندر، ما تم سرده هنا في هذا المقال يعد جانب من معاناة النساء السجينات


سجن متنقل، غرف صغيرة مكتظة، وفَقدٌ لحرمة الجسد، وأسوار عالية تبتلع فتيات وسيدات، تضيع أعمارهم هناك، فقط لكون البعض منهن مدافعات عن حقوق الإنسان أو صحفيات أو من أصحاب الخصومة السياسية مع السلطات المصرية.

على مدار السبع أعوام الأخيرة، شهدت سجون مصر، وبالأخص سجنيّ دمنهور، والقناطر للنساء سيء السمعة التابع لمحافظة القليوبية، طفرة في أعداد السجينات، شهدت أيضًا هذه السنوات تفاقمًا في مستوى التنكيل والتعنت في التعامل مع السجينات، بداية من التفتيش العاري، وحتى الاعتداء بالضرب والسب والتجريد من كافة المتعلقات الشخصية بشكل دوري.

ارتأيت كسجينة سياسية سابقة، أن هذه الفترة بحاجة ماسة للتوثيق والتحليل من أجل فهم أسباب تفاقم مستوى التنكيل، والزج بالسيدات من الصحفيات أو المدافعات، وبالأخص من أبناء أو أخوات أو زوجات، من ليسوا على وفاق سياسي مع السلطة وأجهزة الأمن.

نحاول من خلال هذا التحليل الأولي توثيق تجارب عدد من السجينات السياسيات السابقات، اللاتي تعرضن للإيذاء البدني والنفسي الشديد بسبب عملهن في المجال الحقوقي، من خلال شهادات أفادت بها بعض المعتقلات السابقات، وحرصنا على أن يكون هذا التحليل مدخلًا للتقارير المقبلة، نسرد خلاله ملابسات الاعتقال لكل واحدة منهن، مرورًا بظروف الاحتجاز داخل المقرات المختلفة التي مررن بها، نهاية بإيداعهن في زنزانة الإيراد، على أن يُستكمل توثيق ظروف الاعتقال والحياة اليومية داخل سجون النساء في مصر، وطرق سعيهن للنجاة.

احترمنا في هذا التحليل رغبة البعض منهن في عدم الإفصاح عن هويتهن، نظرًا لاعتبارات أمنية، وأشرنا لهن بأسماء مستعارة، فالبعض منهن مهدد إما بمعاودة الاعتقال، أو بإحالة القضايا -التي على ذمتها أحد أفراد أسرهن الذين لا يزالوا رهن الحبس الاحتياطي- إلى المحاكمة.

تصف المحامية المصرية والحقوقية ماهينور المصري واقعة القبض عليها بقولها: «ألقي القبض عليَّ آخر مرة في سبتمبر 2019، أمام مقر نيابة أمن الدولة العليا بحي التجمع الخامس، بواسطة عدد من ضباط الأمن يرتدون زيًا مدنيًا، اختطفوني بلمح البصر، وألقوا بي داخل سيارة ميكروباص، وانطلقوا مسرعين إلى أحد مقرات الاحتجاز غير القانونية، والحقيقة أنني أعتبر ملابسات القبض علي أقل عنفًا بكثير عمن ألقي القبض عليهم غيري».

أوضحت ماهينور أن مدى التزام ضباط الأمن بالقانون من عدمه هو نسبي حسب الشخص المطلوب إلقاء القبض عليه، وحسب معرفة الشخص بحقوقه لحظة القبض، فعلى سبيل المثال، يتعرض المقبوض عليهم من محافظة سيناء لانتهاكات صارخة. 

«حين ألقي القبض علي، لم يؤخذ في الاعتبار أنني سيدة، ومن المفترض أن نناقش فكرة ضرورة تواجد ضابطات حين يتم القبض على سيدات، ولكن هذا أمر لم يحدث»

ماهينور المصري

 تضيف ماهينور: «حين ألقي القبض علي، لم يؤخذ في الاعتبار أنني سيدة، ومن المفترض أن نناقش فكرة ضرورة تواجد ضابطات حين يتم القبض على سيدات، ولكن هذا أمر لم يحدث».

شهدت مصر خلال الأشهر الماضية ظهور شابين في نيابة أمن الدولة العليا بعد اخفائهم قسريا لمدة ثلاث سنوات ونصف. برزت ظاهرة الاختفاء القسري في المجتمع المصري في الأحداث التي تلت 30 يونيو 2013، وعادة ما يتم إخفاء المعارضين في أماكن احتجاز سرية. يجيز قانون الإرهاب إطالة مدة التحفظ على المقبوض عليه/ا لمدة 28 يومًا، وعدم عرض المتهم على جهة التحقيق. 

تخبرنا الطالبة رحمة «اسم مستعار» عن تجربتها كطفلة ومعتقلة سياسية، تقول: «كان محل سكني بالقرب من ميدان رابعة العدوية، وكان عمري حينها 13 عامًا، وبعد أن علمت بالأحداث، شاركت في تظاهرات مناهضة للتعامل الأمني الوحشي للمعتصمين في ميدان رابعة العدوية آنذاك، وأُلقّي القبض علي، وأطلق سراحي بعد عدة أيام نظرًا لتدخل جهات معنية بحقوق الطفل».

تضيف رحمة: «وقد أُلقي القبض عليَّ مرة ثانية في عمر 16 عامًا، وأطلق سراحي بعد ستة أيام، حينها قررت أن ابتعد عن المشاركة في التظاهرات، والتحقت بكلية الإعلام في جامعة الأزهر، وفي ذلك الوقت، كنت بصدد السفر خارج مصر للسياحة إلى إحدى الدول العربية، وقبل السفر بأيام هاجمت قوات الأمن منزلنا في الصباح الباكر، واقتادوني إلى قسم الشرطة، وبقيت محتجزة في قسم الشرطة قرابة شهر ونصف».

تستكمل رحمة: «خلال هذه الفترة تم التحقيق معي في أحد مقرات الاحتجاز التابعة للأمن الوطني، قاموا بوضع غمامة على عيناي قبل مجيء أحد الضباط للتحقيق معي. وأثناء التحقيق، استمر الضابط في الاعتداء بالضرب والسب والصفع على وجهي بيديه تارة، والضرب بالحذاء على وجهي تارة أخرى. أكدت له أنني بالفعل شاركت في عدد من التظاهرات نظرًا لما شهدته من وحشية في التعامل مع المتظاهرين والمعتصمين، حينها انهال علي بالسب والصعق بالكهرباء».

أي من الأمرين هين؟ الاعتقال لسنوات دون التعرض للإيذاء… أم التعرض للإيذاء في مقابل الاعتقال لمدة أقل؟

تقول السيدة شريفة «اسم مستعار»: «ألقي القبض عليَّ في عام 2017 من أمام المنزل، وزوجي أيضًا، على أيدي قوة أمنية بزي مدني بحجة سؤالنا عن بعض الأمور الخاصة بتجديدات المنزل التي كنا نجريها، وبعد مرور أربع ساعات من الانتظار داخل قسم الشرطة دون تحقيق، فوجئنا بأحد الضباط يطلب منا الذهاب معه إلى أحد مقرات الأمن الوطني، كانت الساعة الثالثة فجرًا، وأبلغونا أنه يتوجب علينا الانتظار حتى الصباح الباكر، وهناك تم عرضنا على المحقق في المبنى ذاته، لم يسألني المحقق سوى عن زوجي ووالدي «سياسي معارض بارز»، وعندما حاولت الاستفسار منه عن سبب القبض علينا، قال لي سوف تعرفين لاحقًا، وبعد مرور قرابة 72 ساعة، قام أحد الضباط باصطحابنا إلى مقر نيابة أمن الدولة العليا في حي التجمع الخامس».

توضح السيدة شريفة: «أُعيد التحقيق معي مرة أخرى بذات الأسئلة، التي تدور حول أسرتي ووالدي، حينها أيقنت أن ما تم معي من تحقيق سلفًا كان غير قانونيًا، وبعد التحقيق تم ضمي على ذمة إحدى القضايا، وبقيت رهن الحبس الاحتياطي قرابة الخمس سنوات».

التفتيش داخل مقرات الاحتجاز والسجون

وفقًا لنص المادة 55 من الدستور المصري: «كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته، تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًّا أو معنويًّا، ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقًا للقانون».

تمر السجينات السياسيات والجنائيات بمراحل التفتيش على أيدي ضباط الأمن أو السجانات حسب مكان الاحتجاز، سواء كان في قسم الشرطة أو فور إيداعهن في سجون النساء، عملنا في هذا المقال على توثيق جانب من التفتيش المهين الذي تعرضت له سجينات سابقات، تحدثن عن تجاربهن، وتسجيلهن لما تعرضن له أثناء التفتيش سواء في شهادتهن الأولى في جلسة التحقيق الأولى أو بعد إطلاق سراحهن، أشارت السجينات إلى أن التفتيش لم يكن وفقًا لنص القانون، حيث تم المساس بشكل واضح بأعضائهن التناسلية، والعبث بأجسادهن بعد تجريدهن من كافة ملابسهن، أمام سجانات أخريات، أو تحت إشراف أمناء شرطة أو أحد الضباط، للتأكد من عدم وجود أية ممنوعات بحوزتهن.

تقول ماهينور: «بعد إيداعي سجن القناطر، جرى تفتيشي على يد السجانات هناك، بتجريدي من ملابسي وتسليمي ملابس السجن، الجلباب الأبيض».

أما الطالبة رحمة فتذكر أنه: «في يوم الترحيل اقتادوني مع محتجزات أخريات في القسم إلى إحدى المستشفيات العامة لإجراء تحليل حمل، وبعدها تم ترحيلي لسجن القناطر للنساء، هناك قامت إحدى السجانات بتفتيشي ذاتيًا أمام زميلاتها، والعبث بجسدي دون مبالاة منها، على اعتبار أن هذا أمر طبيعي، ولأنني لم يكن لدي خلفية عما هي حقوقي في هذه اللحظة، لم أتجرأ على الاعتراض، ولكن فيما بعد استطعت أن أرفض في بعض الأوقات التفتيش المُهين».

«حينما خضعت لتحليل حمل، شعرت بالإهانة والإحراج الشديدين وكذلك حين واجهت استهزاءً من قبل العساكر في قسم الشرطة حينما أبلغتهم احتياجي شراء الفوط الصحية».

رحمة*

تضيف رحمة: «حينما خضعت لتحليل حمل، شعرت بالإهانة والإحراج الشديدين وكذلك حين واجهت استهزاءً من قبل العساكر في قسم الشرطة حينما أبلغتهم احتياجي شراء الفوط الصحية».

تتحدث السيدة شريفة عن مخاوفها وارتباكها الذين سيطروا عليها منذ لحظة القبض عليها صحبة زوجها، حيث وجدت أنها لا تقوى على السؤال عن حقوقها في عدم المساس بجسدها أو تعرضها للتفتيش الذاتي الذي يرقى لهتك العرض والتحرش وفقًا لحقوقيين، فتقول: «بدخولي السجن، استلمني ضابط السجن، وأمر السجانات بإجراء اللازم من التفتيش، تجردت من جميع ملابسي حتى الملابس الداخلية، وتسلمت ملابس السجن البيضاء «الشُل» ولكنها كانت شفافة للغاية، لم تستر عورتي، وطلبت الحصول على جلباب آخر حتى أتمكن من تغطية جسدي».

مَر من هُنا .. الحبسخانة للجميع

تعد الحبسخانة من أولى محطات المتهمات في مشوار اعتقالهن ومحاكمتهن، وهي أحد مقرات الاحتجاز المؤقت في مقرات النيابة والمحاكم، وعادة ما تكون تحت الأرض، لا تدخلها الشمس، تمكث فيها المتهمات، لحين طلبهن للتحقيق، وتعتبرها السجينات/السجناء بمثابة مكان يلتقين فيه بالأصدقاء والأقارب المتهمين، الذين يمكثون في عدد من السجون المختلفة. جدار الحبسخانة بمثابة جدار تذكاري، يدون عليه بعض السجينات/السجناء عبارات أو أقوال مأثورة، وفي بعض الأحيان تاريخ ومكان القبض. عندما يتم تجميع السجينات/السجناء في الحبسخانة قبل جلسات القضية، تعد فرصة أو متنفس للبعض للاطمئنان على بعضهن البعض، أو إيصال رسائل شفهية لمن هم في سجون أخرى. وتعد حبسخانة معهد الأمناء بسجن طرة جنوب القاهرة، من أكبر الحبسخانات، إلا أن مساحتها لا تتجاوز 25 مترًا مربعًا، وأصغرها حوالي 8 أمتار مربعة، وفقاً لشهادات.

«طبقا للقانون المصري، فإن الحبسخانة تقع ضمن أماكن الاحتجاز التي ينظمها القانون رقم 396 لسنة 1956 المعني بتنظيم السجون، وكذلك أماكن الاحتجاز في أقسام الشرطة»

اثبتوا فأنتم على حق

عبارة تستعين بها المعتقلات لدعم بعضهن البعض، تقول الطالبة رحمة: «وقعت عيني على هذه العبارة ومثيلاتها، في أول مرة تم إيداعي في الحبسخانة قبل عرضي على المحقق في النيابة، كانت مدونة على جدران الحبسخانة، يمكنني وصفها بأنها مرحاض عام، والسجناء الرجال الذين هم على ذمة قضايا جنائية يقضون حاجاتهم أمامنا دون الشعور بالحرج، المكان قميء للغاية، لا يمكننا الجلوس إلا على الأرض، وهي طوال الوقت متسخة وعطنة، وتستمر ساعات انتظارنا داخل الحبسخانة لحين الطلب للتحقيق وبعدها، في بعض الأحيان تصل إلى 12 ساعة».

وتضيف: «أما حبسخانة معهد الأمناء، أعتبرها مكانًا أفضل أقل اتساخًا، لكن رطوبته عالية، كنا نشعر دوما بالصقيع، ولكني أيضًا كنت أتمكن من رؤية زميلات/زملاء آخرون من سجون أخرى، ومعرفة بعض الأخبار» 

وتستطرد: «قبل ذلك، بقيت طوال شهر ونصف في حجز قسم الشرطة، أذكر حينها أنني كنت حائضًا، فأخبرت أحد الضباط أنني بحاجة إلى فوط صحية، ولكنه لم يفهم مقصدي، فطلب مني شرح الأمر أكثر، ونادى على أمين الشرطة قائلًا: ‘ياعم هاتلها حاجة البنات من الصيدلية، وهاتلها سندوتشات’».

تحكي السيدة شريفة أن تجربتها كانت تختلف نسبيًا عن أخريات كن معها، فلم تمر على الحبسخانة سوى مرة واحدة، ولم تمكث فيها سوى دقائق معدودة، ليس من أجل راحتها أو اعتبارًا لكبر سنها، ولكن من منطلق التعمد في فصلها بشكل تام عن باقي السجينات، كي لا تتمكن من التواصل ومعرفة الأخبار، أو حتى إيصال أخبار عن وضعها داخل السجن، فتقول: «منذ اليوم الأول تم إيداعي في زنزانة انفرادية مساحتها 180×150 سم، وفي أحد أركان الزنزانة صنبور مياه وحفرة صغيرة من المفترض أنها المرحاض الخاص بي، لم أتمكن في البداية من عمل شيء إلا الوضوء والصلاة، وبعد عامين تم نقلي إلى زنزانة أخرى مع سجينات أقل عددا» .

تقبع أكثر من 200 سجينة سياسية في السجون المصرية وفقا لآخر إحصائية لحملة حتى آخر سجين

تتحدث ماهينور عن أول مرة تعرضت فيها للسجن كانت عام 2014: «تجربتي مع السجن كمحامية وكسجينة تجعلني أؤمن تمامًا أن القانون غائب في هذه الدولة، يتحول دور المحامي من مدافع عن موكله إلى الشخص الوحيد الذي يمكنه الاطمئنان على هذا السجين، وحين تم اعتقالي أشفقت على المحامين، لأنه في النهاية لدى السجين أمل كبير في الحصول على حقه بالقانون، ولكن القرارات دائمًا تأتي بأوامر من الأجهزة الامنية، ولكن التجربة دفعتني بدوري كمحامية تُصر دوما على تطبيقه، بالإضافة للمحاولات المضنية في منح بعض الطاقة الإيجابية للسجينات/السجناء».

مضيفة أنه: «في كثير من الأحيان كنت أُحدث نفسي عن جدوى ذهابنا كمحامين لجلسات التحقيق طالما أن القرارات معروفة مسبقًا، ولكن بعد أن مررت بتجربة الاعتقال توصلت لقناعة أن حضورنا ضروري للغاية في كل الجلسات، حيث أن هذه المرحلة يجب أن توثق بكل ما فيها من انتهاكات قانونية».

وعن حالتها النفسية، تقول ماهينور: «أعتبر حالتي النفسية وأفكاري عندما كنت سجينة سياسية ولست محامية، لحظة تحرر بالنسبة لي، فكان لدي القدرة للحديث عن مواقفي السياسية لأني كمحامية لا أستطيع تحميل السجين مواقفي السياسية، وملزمة بالتصريح بأننا نحترم القانون طالما وجد القانون، وأن ما نحتاجه هو تطبيق العدل في الإجراءات، ولكني كسجينة سياسية، استطعت التعبير عن نفسي وما أنا مؤمنة به، و منحتني التجربة مساحة أوسع للتعبير والحديث أنه لا يوجد فرق بين القانون وبين الإيمان بعالم أفضل، فضلًا عن أنني لمست عن كثب كيف يتعامل القضاة مع المحامين والمتهمين».

عُرضت الطالبة رحمة على النيابة، بعد أن قضت عدة أيام، محتجزة داخل قسم الشرطة التابع لمحل سكنها، تقول رحمة بمجرد دخولها غرفة المحقق لم يوجه لها أي سؤال سوى: «هل تخطيتِ عامك الـ 18؟

جاوبته، نعم!

قال لي شكرًا، وأبلغني أن كاتب المحضر سيأخذ أقوالي ثم خرج من غرفة التحقيق ولم يعد».

تقول السيدة شريفة: «استمر التحقيق الأول معي وزوجي أكثر من 12 ساعة، قبل ترحيلي إلى سجن القناطر، فوجئت بسؤالي عن متعلقات شخصية وأوراق ومصوغات والحاسوب والهواتف المحمولة وجواز السفر، أحضرت من منزلي، علمت بعد ذلك أنهم داهموا منزلنا أثناء فترة إخفائنا، وتفتشيه والتحفظ على العديد من المتعلقات الشخصية، بينها مبلغ مالي أيضًا، وحتى اليوم لم نتمكن من استرداد أي شيء».

«كنت أشعر بالذعر من كل من حولي، سنوات قضيتها في السجن، ولم يخبرني أحد ما هي التهمة الحقيقية الموجهة لي كي أودع في السجن في ظل ظروف قاسية لقرابة خمس سنوات، إضافة إلى منعي من الزيارة أو المراسلات»

السيدة شريفة*

تصف السيدة شريفة فترة اعتقالها قائلة: «طوال فترة الاعتقال، التي استمرت نحو خمس سنوات، وفي المرات القليلة التي عُرضت فيها على المحقق، كنت أشعر بالذعر من كل من حولي، سنوات قضيتها في السجن، ولم يخبرني أحد ما هي التهمة الحقيقية الموجهة لي كي أودع في السجن في ظل ظروف قاسية لقرابة خمس سنوات، إضافة إلى منعي من الزيارة أو المراسلات، لم أتمكن خلال تلك السنوات من التواصل مع أولادي وزوجي وأسرتي».

تقول: «كنت أعاني من عدم وجود حمام أو طعام نظيف، بقيت طوال الثلاثة أشهر الأولى أنام على الأرض مستعينة بغطاء خفيف، كنت ممنوعة من استخدام أمانات السجن [أشبه بصندوق ادخار يودع فيه أهل السجينة/السجين مبلغ مالي ليصرف داخل السجن] وبعد مرور عدة أشهر وافقت سلطات السجن على أن أستعين بالأمانات، وشراء الطعام والمستلزمات الصحية وأدوات النظافة، أيضًا لم أتمكن من الحصول على ورقة وقلم أو أدوات الطعام مثل الملاعق».

تضيف: «وبعد مرور عام ونصف وافقت سلطات الأمن بالسماح لي باستلام صورة واحدة لأسرتي، وقلم صغير وعدد ورقات قليل، على أن أدون فيهم يوميًا، وأبلغوني أن هذه هي فقط زيارتي! عانيت من تضييق شديد، وتعنت في الحصول على حقوقي كسجينة سياسية. لن أنسى مطلقًا، في كثير من الأحيان كان يصر مأمور السجن على إيذائي نفسيًا بقوله: إنتِ أسرتك نسيوكِ ومفيش حد منهم يزورك». 

استلموا الإيراد

بعد أن تنتهي إجراءات التفتيش أو التشريفة [الاعتداء على السجينات/السجناء] يتم تسليم الجميع إلى مناوبة زنزانة الإيراد، و طبقًا للائحة مصلحة السجون تظل السجينة هناك مدة 11 يومًا، إلا أنه كثيرًا ما تزيد المدة عن 20 يومًا، طبقًا لهوى الضابط المسئول.

زنزانة الإيراد هي الزنزانة المخصصة لاستقبال الوافدين إلى السجن، ذلك المكان يعد أسوأ ترانزيت يمكن لامرأة أن تمر عليه قبل أن تبدأ رحلتها في مجاهل السجن، زنزانة تبلغ مساحتها حوالي 5×4 متر، بها نحو 70 سجينة، وفي بعض الأحيان أكثر، ما بين جنائيات وسياسيات، بداخلها مرحاض ذو باب خشبي مخوخ تملئه الثقوب، لا سقف له، يفتقر إلى الخصوصية، ولا يسمح للسجينات باستخدامه إلا لقضاء الحاجة، إذ يحرمن من الاستحمام قبل استئذان نبطشية الزنزانة.

يجري فصلهن عن السجينات القدامى، حتى لا تتمكن القدامى من مساعدتهن في أي شيء، وهناك تُحرم السجينة من كل شيء يساعد على استمرار الحياة، فتمنع زيارة أهلها لها، أو شراء أي مستلزمات من الكافيتريا، ويُجبر الجميع على الأكل من طعام السجن، إضافة إلى منعهن من التريض.

تحكي الطالبة رحمة: «دخلت الزنزانة وبقيت هناك نحو 20 يومًا، كنا ننام على فراش عطن كريه الرائحة، ممنوعين من الاستحمام، وكل ثلاثة منا نتشارك فراش واحد، ممنوعين من التريض ومن الزيارة، ممنوع النوم أثناء النهار حيث أن هناك مواعيد للنوم والاستيقاظ حسب أوامر المناوبة، وبعد مرور 20 يومًا تم إيداعي في زنزانة السجينات السياسيات، واستمرت فترة حبسي الاحتياطي لعشرة أشهر».

تصف رحمة كيف قاومت فترة الاعتقال التعسفي: «كانت لدي طريقة مختلفة للمقاومة، وهي التوقع المسبق لكل ما هو قادم، كنت أضع في الحسبان أنه من المحتمل أن يتم الاعتداء عليَّ جنسيًا، وأنني سوف أتعرض للبرد أو الجوع أو الحرمان من أي وكل شيء، كنت أتوقع أيضًا التهديد طوال الوقت من أنني ربما أفقد عذريتي، أو اتعرض لأي انتهاك جسدي، توقعي المُسبق ساعدني على تحمل التهديد الذي تلقيته بالاعتداء عليَّ جنسيًا أثناء فترة الاختفاء القسري في مقر الأمن الوطني من قبل أحد الضباط هناك».

توضح المحامية ماهينور هذا الوضع أكثر: «داخل سجون السيدات يتم تسكين السجينات داخل الزنازين وفقًا لأهواء ضابط الأمن، مثل وضع كثيرات من السياسيات في زنازين قضايا جنائية، مثل تهم شديدة الخطورة، أو يعزلن تمامًا، فيتم التنكيل بهن بشكل مضاعف، على سبيل المثال انتزاع دعم السجينات الأخريات، وعزل السجينة في الحبس الانفرادي».

تضيف ماهينور: «على سبيل المثال حينما كنت مودعة في سجن دمنهور، اضطررت إلى رفع قضية من داخل السجن للمطالبة بالاطلاع على لائحة السجون كي نحصل على حقوقنا كسجينات سياسيات، حيث كان هناك انتهاك صارخ في التعامل مع حق المراسلة [الحق في إرسال واستلام خطابات من وإلى الأهل]، حيث كانت هناك انتقائية شديدة في منح السجينات الحق في الاطمئنان على أطفالهن، وهذا يعتبر تعذيب نفسي في المقام الأول».

تستطرد ماهينور: «مثلًا: في سجن دمنهور، فجأة قرر أحد الضباط في يوم ما منعنا من أدوات النظافة دون إبداء أية أسباب، كان الكانتين والكافتيريا يُتاح للسجينات مرتين في الشهر، فأصيب أغلبنا بمرض جلدي، أيضًا كان يتم منع الحصول على الفوط الصحية التي هي حق لكل سيدة، حتى وإن كانت سجينة». 

«احتياجات السيدات تختلف بالطبع عن احتياجات الرجال، وهنا تضع سلطات الأمن يدها على نقطة قوة، الإمعان في التنكيل والإذلال للسيدات»

العلاقة بين السجينة والدولة

اتفقت السيدات المشاركات في هذا المقال، على أن النظام المصري وسلطات الأمن تتبنى نهجًا معينًا في التعامل مع السيدات، وبالأخص المدافعات عن حقوق الإنسان والصحفيات، ومن لسن على وفاق سياسي مع السلطة، وهو التنكيل، وتبنى فكرة كسر السجينة/السجين بكل الطرق وكافة الأشكال. ولاحظن أيضًا أنه في الآونة الأخيرة تزايد التركيز على اعتقال السيدات، وأن اعتقالهن بات وسيلة لكسر الكبرياء والتشبث بالمبادئ، والحط من كرامة الخصوم السياسيين بالقبض على ذويهم أو زوجاتهم أو بناتهم.

هؤلاء السيدات شعرن من خلال تجربتهن أن العلاقة ما بين الدولة والسجينة، هي إيمان سلطات الأمن أن لديها الحق في التصرف في حياة السجينات/السجناء حسب أهواء ضباط الأمن، لأن الجميع في نظرهم خونة ومجرمين.

في سجون النساء التعامل مبني على الاضطهاد المضاعف، والقمع المضاعف على أساس الجندر، ما تم سرده هنا في هذا المقال يُعد جانبًا من معاناة النساء السجينات، فإذا حظيت السجينة بعدم التعرض للتحرش، هناك طرق أُخرى تنتهك فيها خصوصيتها، مثل المنع من الحصول على الفوط الصحية، وإذا توافرت الفوط الصحية، تجد سجينات أخريات يتعرضن للإهمال الطبي أثناء الحمل والرضاعة، إلى جانب عدم تواجد ضابطات في إدارة سجن النساء، لا وجود سوى للضباط وأفراد الأمن، وفي بعض الأحيان سجانات، ولكن تجري عملية التفتيش الذاتي في وجود ضباط وأفراد الأمن، فضلًا عن الكشف المهبلي، وكشوف العذرية التي تجبر السجينات على الخضوع لها قبل ايداعهن السجون.

ظروف الاحتجاز والسجن في الوقت الراهن مبنية على الحط من الكرامة، هذا نهج تتبعه السلطات الأمنية في مصر مع الجميع، ناهيك عن أن النظام المصري سلطوي وأبوي، ولديه أزمات جذرية مع السيدات، وحينما يُلقى القبض على سيدات، يجري التعامل على أساس أنهن أقدمن على ارتكاب جرم لأنهن مهتمات بالعمل في السياسة أو المجال العام، ويتوجب معاقبتهن، فهو يرى أن مكان السيدات أساسًا هو «المطبخ»، حيث تعمل الدولة على عنصر الخوف من تشويه السمعة، والضغط على السجينات السياسيات على اعتبار أن المجتمع سوف ينبذها فيما بعد، خاصة في مدارس الأبناء، حيث أنه ليس من المألوف فكرة أن في مصر ما يسمى بالـ «السجينة السياسية». 

سولافه مجدي صحفية مصرية، مدافعة عن حقوق الانسان، وسجينة سياسية سابقة. وباحثة زميلة بمعهد التحرير في زمالة باسم صبري للديمقراطية

: اقرأ التالي

يلقي عمر طالب نظرة معمّقة على الظروف السياسية والتكييفات القانونية التي أدت إلى إسقاط تهم الفساد…

يعاني "نزلاء" السجون الجديدة في مصر من عنف خفي وانتهاكات منهجية، بينما تقول الدولة أنها طورت…

يظل الاغتصاب الزوجي جريمة بدون عقاب في نظر القانون المصري، وكثيرًا ما تعجز النساء اللاتي يتعرضن…