الاغتصاب الزوجي: جريمة عادية، خفية وبدون عقاب

يظل الاغتصاب الزوجي جريمة بدون عقاب في نظر القانون المصري، وكثيرًا ما تعجز النساء اللاتي يتعرضن له في الحصول على الطلاق، أو حتى الدعم من الأهل والمجتمع


لا يعاقب القانون المصري الاغتصاب الزوجي – بل لا يعترف به كجريمة من الأساس بالرغم من كونه فعل جنسي يتم بدون تراضي – ليعكس القصور التشريعي في حماية المرأة، وتسلط المجتمع ضدها متمثلًا في عرقلة العديد من المقترحات ومشاريع القوانين الهادفة لمناهضة كافة أشكال العنف ضد النساء داخل منظومة الزواج، والتي يندرج ضمنها الاغتصاب الزوجي.

الاغتصاب الزوجي هو الجماع الذي يتم بدون موافقة أحد الزوجين، حيث أن غياب الموافقة كافي ليُعتبر شكلاً من أشكال الاعتداء الجنسي، حتى لو تم داخل الإطار الشرعي للزواج الذي يكون فيه الجماع حقاً للزوجين، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة.

في 15 يوليو الماضي، لفظت عروس أنفاسها الأخيرة بعد إصابتها بنزيف مهبلي حاد “ليلة الدخلة”، بسبب العنف من قبل الزوج خلال ممارسة العلاقة الزوجية، وفي أبريل الماضي، قتل زوج زوجته بعد ساعات قليلة من الزواج، لرفضها إقامة العلاقة الزوجية معه. بالرغم من أن الواقعتين يندرجان تحت العنوان الأوسع للاغتصاب الزوجي، إلا أن المواقع الإخبارية والصحف التي تناولتها لم تطلق عليهما ذلك بشكل واضح.

يجرم القانون المصري الاغتصاب، ويعاقب فاعله بعقوبة تصل للسجن المشدد. وبالرغم من أن تعريف الاغتصاب في القانون لا يختلف عن الاغتصاب الزوجي، إلا أن النص يطبّق فقط خارج منظومة الزواج. ويعرّف قانون العقوبات المصري الاغتصاب بأنه مواقعة أنثى “بغير رضاها”، ويعاقبه بالسجن المؤبد والإعدام في بعض الحالات، ومنها إذا كانت المجني عليها لم تبلغ ثمانِ عشرة سنة.

إشكاليات التبليغ

بالنظر للجرائم التي يصل خبرها للإعلام –وهي قليلة– نجد أن الجريمة غير محصورة في نطاق جغرافي أو اجتماعي معين، ولكنها تواجه العديد من النساء في مختلف المستويات. الجريمتين السابق ذكرهما، على سبيل المثال، وقعتا في قرى تابعة لمحافظات بعيدة عن المراكز. لكن في 2021 خرجت زوجة أحد المغنيين المشهورين تتهمه باغتصابها أثناء زواجهما، وفي نفس العام، نشرت مصممة أزياء تسجيلا عبر حسابها على انستجرام لتقول أنها أيضًا كانت واحدة من ضحاياه.

إلا أنه في كل الأحوال يكون من الصعب، أو المستحيل، للضحية تحرير محضر بقسم الشرطة، لأنه لا يوجد قانون يمكن العمل به وتحرير المحضر على أساسه، بحسب حقوقيين وقانونيين تحدثنا معهم. الحالة الوحيدة التي يمكن من خلالها تحرير محضر، هي عند تعرض الزوجة للضرب، وهنا يمكن الإبلاغ عن جنحة يعاقب عليها القانون بالحبس من ستة أشهر لسنتين، وفقا للمادة 242 من قانون العقوبات المصري.

وحتى في حالات الضرب، لم يذكر النص القانوني ضرب الزوج لزوجته صراحةً، بل تحدثت المواد القانونية عن جريمة الضرب والتعدي بشكل عام. ويضع ذلك السيدات أمام إشكالية قانونية عند الإبلاغ، ففي كثير من الأحيان يرفض القائمون على تحرير المحاضر بأقسام الشرطة تحرير محضر للسيدات المعرّضات للعنف والضرب من الأزواج، ويتخذ الرفض أشكالا عدة، منها محاولات إقناع الزوجة بالصلح وديا مع زوجها، أو الرفض لأنه لا يوجد إطار قانوني يمكن العمل من خلاله، وذلك وفقا لما أجمع عليه المحامين الذين تحدثنا معهم حول الموضوع. 

تعرضت نحو 72% من النساء للعنف الجسدي من الزوج الحالي، و12% من الزوج السابق، وثلث السيدات فقط هم من بحثن عن المساعدة، وفقًا لنتائج المسح الصحي للأسرة المصرية الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن عام 2021. لم يذكر التقرير الاغتصاب الزوجي، واكتفى بعنوان واسع للعنف الأسري. ووضح التقرير أن غالبية النساء طلبن المساعدة من الأهل بينما لجأ أقل 2% إلى أقسام الشرطة.

التطبيع مع الجريمة

صعوبة اللجوء للقانون تدفع النساء في معظم الأحيان لعدم الإبلاغ عن وقائع الاعتداء الزوجي، لأنه حتى مع المسار القانوني لا يوجد نصوص وآليات واضحة لحمايتها. وتتعاظم الإشكالية في حالات الاغتصاب الزوجي بسبب التطبيع العام مع الجريمة في المجتمع، ذكورًا وإناثًا. حيث لا يعتبر الكثيرون الفعل جريمة، وبالتالي يتعاملون مع الضحية كجانية لأنها رفضت إعطاء الزوج حقاً من حقوقه المشروعة، إستنادًا على مبررات دينية.

من خلال الرصد والتوثيق الذي تقوم به المؤسسات النسوية والمعنية بقضايا النساء، تبدأ النساء اللاتي يتعرضن للاغتصاب الزوجي بالشكوى من أمور أخرى، مثل الضرب أو التعنيف، فكما تقول ماجدة عدلي مديرة مركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب، إن البداية تأتي بحديث السيدات عن أمور بعيدة عن الواقعة نفسها، وعندما يصل الحديث لتلك النقطة، وتُسأل السيدة حول تعرضها للاغتصاب الزوجي، يفضلن عدم التحدث، بسبب الرفض المجتمعي أو الخوف من “العقاب الإلهي”الذي يرسخه في أذهانهن الأزواج ورجال الدين والصورة الكبرى في الإعلام والصحف.

ولذلك، نجد أن حتى مساعدة الأهل قد لاتكون متاحة أو مفيدة. أجمعت ثلاث نساء تعرضن للاغتصاب الزوجي (نحجب أسمائهن بناءً على طلبهن) وتحدثنا معهن عن تجربتهم، أنهن واجهن رفضًا من الأهل وصل للوم والتوبيخ عند الشكوى، وكذلك اتهامهن بإصابتهن بالبرود الجنسي، وتحذيرهنّ من أن تلعنهنّ الملائكة لرفضهنّ تلبية طلبات أزواجهنّ.

الحالات الثلاث، ما بين منتصف الثلاثينات حتى بداية الأربعينات، من خلفيات اجتماعية مختلفة، ومن مدن مختلفة أيضا داخل مصر، منهن من لم تكمل تعليمها الجامعي وتسكن بإحدى القرى المصرية، والأخرى أكملت تعليمها الجامعي بمحافظة بعيدة عن القاهرة والتحقت بالعمل السياسي وتعرفت على زوجها من خلاله أيضا ثم انتقلا للعيش بمدينة القاهرة، أما الثالثة تخرجت من الجامعة أيضا بمحافظة الإسكندرية ولم تحصل على وظيفة (ربة منزل).

واحدة من الحالات قالت “لجأت لأسرتي للشكوى من الأمر، فطردوني خارج المنزل، طلبت منهم المساعدة في رفع دعوى خلع لأن زوجي يرفض الطلاق فرفضوا واتهموني بارتكاب معصية أو ربما إقامة علاقة مع رجل أخر وأنه لا مكان لي في المنزل في حال طلاقي من زوجي”.

لم تنجح أثنان من تلك النساء في الانفصال أو الطلاق حتى الأن، بينما نجحت الثالثة بعد تهديد زوجها بإفشاء سره في الوسط السياسي الذي يعمل به، فقام بتطليقها على الفور، بحسب قولها.

صعوبات التقاضي

الإشكالية الثانية التي تواجه السيدات تأتي عند التقاضي حيث لا يستطعن رفع قضايا الطلاق بسبب تضررهنّ من الاغتصاب الزوجي، وفقا لرضا الدنبوقي، المدير التنفيذي لمركز المرأة للإرشاد والتوعية. ولأن القانون لا يجرم الاغتصاب الزوجي، يلجأ المحامون في تلك الحالات لرفع قضية طلاق للضرر، وهنا القاضي وحده هو من يحدد حجم الضرر ويحكم بالطلاق من عدمه، كما أن تلك القضايا تستلزم حضور السيدة كافة الجلسات وقد تستغرق عام ونصف للوصول لقرار.

وبحسب الدنبوقي، غالبا ما يدفع المحامون بأسباب أخرى، وليست الاغتصاب الزوجي، لإثبات الضرر في قضايا الطلاق في تلك الحالات. يأتي على رأس هذه الأسباب العجز الجنسي عند الزوج، أو ضربه الزوجة والاعتداء عليها، أو الهجر لأكثر من 6 أشهر، وكذلك عدم الإنفاق على الأطفال. لكن تلك الأسباب لا تضمن أن يقرر القاضي استحقاق الزوجة الطلاق للضرر، لتستمر العلاقة الزوجية بكل ما فيها.

 بعد ذلك يتبقى أمام الزوجة طريق آخر وهو طلب الخُلع، وهو الطريق الأقصر وفقا للّدنبوقي، حيث تستغرق القضايا عادةً ما يقرب من 3 أشهر للحكم بها، ولكن في المقابل تجرَد المرأة من كافة حقوقها المادية، وهو الطريق الأصعب على النساء اللاتي لا يمتلكن دخل أو مسكن للإقامة به.

التجربة المغربية

المصريات لسن متفردات في مواجهة تلك الظروف القانونية الصعبة، فجميع الدول العربية لا تجرم الاغتصاب الزوجي. إلا أن هناك بعض المحاولات لتحقيق العدالة في مثل تلك القضايا، أبرزها كان في المغرب عام 2019 حين حكمت محكمة في طنجة على زوج بالحبس سنتين بتهمة الاغتصاب الزوجي، وهو الذي أُعتبر حينها سابقة من نوعها. أثار الحكم جدلا كبيرا حول إشكاليات الاعتراف بالجريمة ووضع تشريع لها. المشتكية أثبتت تعرضها للاغتصاب من قبل زوجها بناء على شهادة طبية أكدت تعرضها لتمزق مهبلي تسببت فيه علاقة جنسية تمت بعنف، بحسب تقارير إعلامية، لتصبح تلك المرة الأولى التي يدين فيها القضاء المغربي زوجا بتهمة من هذا النوع.

قضية أخرى لفتت الانتباه عام 2022 حين قررت محكمة الاستئناف بتطوان شمال المغرب حبس زوج ثلاث سنوات من أجل اغتصاب زوجته وهتك عرضها باستعمال العنف. وكان المتهم نفى الواقعة، إلا أن المحكمة اعتمدت على الشواهد الطبية المقدمة من قِبل الزوجة، والتي تفيد أن العلاقة الجنسية التي كان يمارسها المتهم على المشتكية كانت تتسم بالإكراه في ظل العنف المعنوي والمادي والجسدي الذي كانت تتعرض له مما يجعل جريمة الاغتصاب وهتك العرض قائمة في حقه.

 واعتمدت أحكام الإدانة في القضيتين المذكورتين على الفصل 486 من القانون الجنائي، الذي يعرف الاغتصاب بأنه “مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها”، ولم يستثن القاضيان في الحكمان الأشخاص المتزوجين من نطاق تطبيقه.

الأضرار ورد الفعل

بجانب الأضرار النفسية والجسدية التي تلحق بالسيدات الاتي تتعرضنّ للاغتصاب الزوجي، تشير بعض الاحصائيات من عدة بلدان حول العالم أن النساء قد يقدمن على إلحاق الأذى أو حتى قتل شركائهنّ بعد تعرضهم لعنف مستمر لسنوات، وهو ما يُطلق عليه “الإحتراق البطيئ”.

في مصر، ظهرت على مر السنوات وقائع عدة شهيرة لزوجات قتلن أزواجهن لمثل تلك الأسباب. أبرزها مؤخرًا السيدة التي أنهالت على زوجها بعصا المكنسة حتى فارق الحياة، وذلك بسبب إجبارها على العلاقة الجنسية “بطريقة محرمة”. والسيدة الأخرى التي قتلت زوجها بعد ربطه في السرير أثناء ممارسة العلاقة الزوجية، ولف إيشارب حول رقبته بسبب اعتياده اغتصابها وإقامة العلاقة الزوجية معها بالإجبار، بحسب ما قالته السيدة.

وهنا نصبح أمام جريمتين، الأولى تتعرض فيها السيدة للإجبار على ممارسة هي ترفضها، والثانية تأتي كرد فعل لهذا الإجبار المستمر دون قوانين تعاقب مرتكبه، أو تضع إجراءات سريعة يمكن للضحايا اللجوء إليها قبل تفاقم الأزمة، مثل سهولة الإبلاغ والشكاوى والتعامل معها بجدية، والتي تمثل ضمانات يمكن أن تكون بداية لحل الأزمة، وبداية للاعتراف بها حتى الوصول لإقرار تشريع ببنود واضحة لمناهضة الجريمة.

تشريعات وسخرية

على المدى القصير، يمكن تشجيع وسائل الإعلام على استعمال وتداول مصطلح “الاغتصاب الزوجي” لإرسال رسالة لا لبس فيها للمجتمع أن ذلك الفعل يعتبر جريمة، حتى لو لم يعاقب عليها القانون، لتكون بمثابة جرس إنذار للرجال، وتشجيع للنساء على رفضها، حيث أن التشريعات قد تحتاج لسنوات حتى يتم إقرارها ثم العمل بها.

وعلى المستوى القانوني، قدمت عدة مؤسسات، منها مؤسسة قضايا المرأة، ومركز النديم لمناهضة العنف والتعذيب مشاريع لقوانين تناهض العنف الزوجي. ويمكن فهم المصاعب التي تواجه إقرار تلك التشريعات بتتبع رحلة أحد أبرزهم الذي أعده مركز النديم. 

بدأ المركز عام 2005 في العمل على مشروع قانون لمناهضة جميع أشكال العنف الأسري، بما فيه العنف الجنسي ضد النساء المتزوجات، متضمنًا تعريفات للعنف الجسدي والجنسي وفقًا للاتفاقيات الدولية، بحسب ماجدة عدلي، مدير مركز النديم. وزار باحثو المركز العديد من المحافظات المصرية لرصد أشكال العنف ومعرفة كيفية مواجهتها، حتى خرج المشروع في صيغته النهائية في 2009 وقُدم حينها للبرلمان، وتم التوقيع عليه في 2010 لدخول لجنة المقترحات، ليظل بتلك اللجنة حتى قيام ثورة يناير 2011، وحينها حُل البرلمان وعقدت انتخابات جديدة، ليعاود المركز تقديم المشروع مجددا في 2013، ولكنه لم يقر أو يناقش حتى الأن.

وبالرغم من أنه كان ومازال حبيس مكاتب المشرعين، تقول عدلي إن مشروع القانون تعرض لانتقادات موجهة، تحديدًا ضد المادة المناهضة للاغتصاب الزوجي، من قبل وسائل إعلامية ومحامين، حيث نشرت صحف كاريكاتير ساخر يجمع بين زوج وزوجة وبينهما سيارة شرطة، كما قدم أحد المحامين بلاغ ضد المركز بخصوص تلك المادة وتم حفظ البلاغ.

لا توجد أسباب معلنة لعدم تمرير مشروع القانون حتى الأن، ما يلقي الضوء على العقبات التي مازال على الحركات النسوية والحقوقية تجاوزها، ولذلك تستمر الحملات التي تهدف تخلق الوعي المطلوب حتى تتحقق الخطوة الأولى في رفض الجريمة بشكل واسع داخل المجتمع، أملاً في أن يؤدي هذا الرفض إلى تشريعات فعّالة تحمي النساء وتحمي أجسادهن، داخل وخارج ومنظومة الزواج.

هبة أنيس صحفية وباحثة مصرية، ومتدربة في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط

: اقرأ التالي

هل قام المجتمع الدولي بما يلزم لإيقاف الحرب الدائرة في السودان؟ الجواب بسيط، للأسف. بالطبع لا،…

يلقي عمر طالب نظرة معمّقة على الظروف السياسية والتكييفات القانونية التي أدت إلى إسقاط تهم الفساد…

يعاني "نزلاء" السجون الجديدة في مصر من عنف خفي وانتهاكات منهجية، بينما تقول الدولة أنها طورت…