مُكتفيًا بالمشاهدة: كيف خذل المجتمع الدولي السودان وشعبه؟

هل قام المجتمع الدولي بما يلزم لإيقاف الحرب الدائرة في السودان؟ الجواب بسيط، للأسف. بالطبع لا، لم يقم بذلك


Read this article in English.

أدت الحرب التي اندلعت بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في أبريل من العام الماضي إلى نزوح نحو 8.2 مليون شخص من منازلهم وتعريض 20.3 مليون لخطر المجاعة، وكذلك تعطل 70% من المستشفيات في المناطق المتضررة، وخروج نحو 19 مليون طفل من نظام التعليم.

في ظل كل هذه الأرقام المُخيفة يبرز سؤال جوهري: هل قام العالم بما يلزم لإنهاء هذه الحرب المأساوية الدائرة منذ أكثر من عام؟ الإجابة هي، للأسف، بالطبع لا. فبرغم مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، واحتمالية حدوث المزيد من الفظائع مع استمرار القتال، لا تلوح في الأفق بوادر أي استجابة عالمية أو إقليمية ترتقي إلى مستوى هذه الكارثة.

هذا الفشل للمجتمع العالمي ليس جديدًا أو وليد الصدفة، بل تمتد جذوره إلى ما قبل اندلاع الصراع، حيث اتسمت الطريقة التي تعامل بها المُجتمعان الدولي والإقليمي مع السودان بعد الإطاحة بعمر البشير في 2019، بما في ذلك الأمم المتحدة، بتفضيل المواءمات السياسية على المشاركة الحقيقية القائمة على الإيمان بالمبادئ والحقوق الأساسية.

فقد أظهرت الحكومة الانتقالية العسكرية-المدنية التي خلفت البشير عدم رغبتها في تجديد مهمة البعثة المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (UNAMID)، والتي تأسست عام 2007 في أعقاب الإبادة الجماعية في المنطقة، حيث أكدت الحكومة الانتقالية حينها أنها قادرة على رعاية وحماية المدنيين بدون مساعدة من بعثة حفظ السلام. وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة نفسها وغيرها من الجماعات الحقوقية وثّقت تصاعدًا ملحوظًا في أعمال العنف في دارفور في الفترة التالية لسقوط البشير، إلا أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أخذ وعود الحكومة الانتقالية بحماية المدنيين في دارفور على محمل الجد، وأنهى تفويض بعثة حفظ السلام في عام 2020.

والجدير بالذكر أن نظام البشير حاول في السابق الضغط مرارًا من أجل سحب قوات حفظ السلام ولكنه لم ينجح في ذلك، فعمد إلى عرقلة عملها عبر فرض القيود وإطلاق التهديدات.

في أعقاب ذلك، شكّل مجلس الأمن بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (UNITAMS)، وجاءت البعثة، كما يوحي اسمها، لدعم التحول الديمقراطي في البلاد. إلا أن هذه “العملية الديمقراطية” همّشت الأصوات الرئيسية المؤيدة للديمقراطية مثل مجموعات الاحتجاج، ولجان النازحين، والعديد من النقابات العمالية، وفي المقابل أعطت الأولوية للقادة السياسيين في الخرطوم لتتعامل البعثة مع الواقع السياسي في سودان ما بعد البشير بمنطق المصالح والمواءمات لتحقيق أهداف قصيرة المدى.

لطالما دقت جماعات المجتمع المدني ناقوس الخطر، محذرة من أن هذا النهج سيفضي إلى تشجيع القادة العسكريين الذين يرتكبون الانتهاكات على إجهاض التحول الديمقراطي، غير مكترثين بالعواقب. وقد أثبتت الأيام أن تحذيراتهم كانت مُحقة، حيث انقلب العسكريون على الشق المدني في الحكومة في عام 2021، وتبع ذلك عواقب وخيمة لم تقتصر فحسب على قمع الأصوات الديمقراطية المدنية بوحشية، ولكنها أهدرت الفرصة الضعيفة والنادرة التي كانت متاحة أمام السودان للمضي في طريق الديمقراطية بعد الإطاحة بالبشير. في أعقاب ذلك، قطع المانحون الرئيسيون دعمهم المالي للاقتصاد المتعثر أصلًا، في خطوة كان المواطنون أول من دفع ثمنها.

لم يكن استيلاء الجيش على السلطة مفاجئًا للعديد من الأطراف داخل السودان، ولا سيّما الجماعات الاحتجاجية، إلا أنه باغت الأمم المتحدة وبعض الأطراف الأُخرى، أو هكذا بدا الأمر. في غضون ذلك، استمرت الهجمات ضد المدنيين في دارفور، حيث وردت أنباء عن مقتل المئات في موجات عنف بين عامي 2021 و2022. وبقي الرد الدولي مقتصرًا على التعبير عن القلق بشأن تدهور الوضع هناك، بينما لم يتم التدخل بشكل فعّال لحماية المدنيين أو محاسبة القادة العسكريين المسؤولين عن هذه الانتهاكات.

رفض المتظاهرون مُجددًا أي محاباة أو استرضاء لقادة الانقلاب الذين يرتكبون الانتهاكات. وعلّق رئيس بعثة الأمم المتحدة السياسية في السودان، فولكر بيرتس، على اتفاق نوفمبر 2021 الذي أعاد رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك إلى منصبه، قائلاً إنه على الرغم من أن الاتفاق لم يكن “مثاليًا”، إلا أنه “أنقذ السودان من حرب أهلية”. وتزامن هذا التصريح مع القمع الأمني الوحشي بحق الأشخاص الذين احتجوا على الاتفاق. في نهاية المطاف، استقال حمدوك من رئاسة الحكومة بعد أسابيع قليلة، واستمر الانقلاب، وواصلت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (UNITAMS) الضغط من أجل التوصل إلى تسوية سياسية سريعة، مما قلل من فاعلية تفويضها الأصلي المتعلق بحماية الحقوق، ثم اندلعت الحرب الأهلية بعد ذلك.

سرعان ما كشف الصراع عن ضعف البنى التحتية للأمم المتحدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحماية المدنيين، فعوضًا عن حماية السكان، مارست الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن، سياسة الانتظار والترقب مرة أخرى. وبعد ما يقرب من أسبوع من بدء الحرب في أبريل 2023، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أن الأمم المتحدة “لن تغادر السودان،” إلا أن مجلس الأمن وافق، بعد ثمانية أشهر في ديسمبر 2023، على إنهاء بعثة الأمم المتحدة السياسية في البلاد. ويمثّل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان حاليًا “مبعوث شخصي”، غير واضح مدى قدرته على اتخاذ خطوات ملموسة حيال النقاش الدائر حول حماية المدنيين.

وحاليًا سيتم اختبار مجلس الأمن مجددًا، تزامنًا مع تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بدارفور، والذي خلص إلى نتائج قاطعة بخصوص الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في غرب دارفور. كما قدمت اللجنة، وهي مُكلفة بتقديم توصيات إلى الأمم المتحدة بشأن فرض العقوبات، تقارير حول انتهاكات حظر الأسلحة. ولم يتضح بعد ما إذا كان مجلس الأمن سيتصرف بناءً على هذه المعطيات، ولكن حتى الآن، لا توجد أي مؤشرات على أنه سيقوم بذلك.

إن فشل المجتمع الدولي الذريع ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة طبيعية لسنوات من عدم إعلاء المبادئ في التعاطي مع الشؤون السودانية، والاستخفاف بالأهداف التي خاطر الشعب السوداني بحياته وحريته من أجلها في السنوات الماضية، وهي الحرية والسلام والعدالة. كما إن الوعود التي يقدمها الآن زعماء العالم ستنضم إلى سلة التجاهل مع سابقاتها من التعهدات التي قُدمت في السابق للشعب السوداني، ولم يتم الوفاء بأي منها حتى الآن.

نقترح أدناه قائمة بالخطوات والإجراءات التي يمكن للجهات الدولية القيام بها، خاصة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكن الأهم من تلك الإجراءات هو التخلي عن السلوكيات غير المجدية لتلك الجهات، والمتمثلة في اتباع سياسة الانتظار والترقب عوضًا عن اتخاذ الخطوات الفعالة، وتكرار أنماط العمل المعتادة بدون التفكير في حلول جديدة، وسياسات الاسترضاء السياسي التي أثبتت فشلها. كنتيجة لتلك السلوكيات، أصبحت الجهات الدولية مجرد شهود عيان راضين عن المعاناة في السودان، غير مكترثين بمعاناة شعبه. 

– يتعين على مجلس الأمن أن يولي الوضع في السودان أقصى درجات الاهتمام، وينبغي عليه أن يضطلع بمسؤولياته، وأن يركز جهوده على تخفيف وطأة معاناة المواطنين، وحماية المدنيين، وزيادة الضغط السياسي على الأطراف المتحاربة حتى يلتزموا بالقانون الدولي، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون قيد أو شرط.

– يتعين على مجلس الأمن أيضًا أن يناقش فرض عقوبات على المسؤولين عن ارتكاب الفظائع في دارفور، فضلاً عن التصدي لانتهاكات حظر توريد الأسلحة.

– ينبغي أيضًا على الحكومات والمنظمات الإقليمية المعنية، مثل الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، العمل على إشراك الأصوات التي طالما تم تهميشها، كمجموعات المتطوعين والجهات التي تُمثل اللاجئين، ومجتمعات النازحين، حيث ينبغي إيصال أصواتهم وتقديم الدعم الكافي لأنشطتهم، خاصة أولئك الذين يوثقون الفظائع المرتكبة في مختلف أنحاء البلاد.

– ينبغي على الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية على حدٍ سواء ألا تتساهل مع الأطراف المتحاربة حيال عرقلتها المستمرة للمساعدات، بل يجب أن تتعامل مع هذه العرقلة على أنها انتهاك خطير للقانون الدولي، وبالتالي معاقبة المتورطين فيها.

محمد عثمان: زميل غير مقيم في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، يتركز عمله حول الحوكمة والمساءلة والعدالة في السودان، كما يعمل باحثًا في قسم أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش منذ عام 2018.

: اقرأ التالي

يلقي عمر طالب نظرة معمّقة على الظروف السياسية والتكييفات القانونية التي أدت إلى إسقاط تهم الفساد…

يعاني "نزلاء" السجون الجديدة في مصر من عنف خفي وانتهاكات منهجية، بينما تقول الدولة أنها طورت…

يظل الاغتصاب الزوجي جريمة بدون عقاب في نظر القانون المصري، وكثيرًا ما تعجز النساء اللاتي يتعرضن…