الحياة في ممر معتم خلف القضبان: حكايات من سجون نساء مصر

تجارب السجينات غالبًا ما تمر دون إعطائها الأهمية التي تستحقها. هذا المقال بمثابة صرخة ودعوة جماعية للمعنيين للعمل على تحسين الظروف المعيشية في السجون والقمع الذي تواجهه السجينات السياسيات في السجون المصرية. يسلط هذا المقال الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان وعلى حقيقة الحياة خلف جدران السجون في مصر


Read this article in English.

حلم واحد يظل يراود السجين/ة طوال فترة الاعتقال، ماذا يفعل الأشخاص في الخارج؟ ما الذي يفعله المارة في الطرقات؟ هل تغيرت الطرقات؟ هل يتذكرنا أحد؟ ما هي وجبة اليوم على الغداء يا تُرى؟

يستيقظ الناس خارج السجن، كلٌ وفقًا لجدوله اليومي: منهم من يتوجه إلى عمله، ومنهم من لديه موعد غرامي أو موعد عمل، أو ربما سيلتقي ببعض الأصدقاء، أو ربما يرغب في الاختلاء بنفسه لساعات، أو يراقب المارة في الطرقات مستمعًا إلى موسيقى محببة إلى قلبه تعبر عن حالته الآنية.

على صعيد آخر، في نفس العالم، تقبع بعض السجينات داخل مقرات الاحتجاز، في غرف ضيقة، متراصات جنبًا إلى جنب في ممرٍ معتمٍ بلا منفذ للتهوية، وعلى أرض أسمنتية تفوح منها روائح عفنة لبقايا أطعمة وقمامة، جميعهن يخضعن لقانون النبطشية ”المناوبة“، ومن فوقها لقانون ضابط الأمن الوطني المسؤول عن السجينات السياسيات على وجه التحديد.

خلال السطور المقبلة، سأسرد جانب من الحياة اليومية من واقع تجربتي كصحفية وسجينة سياسية سابقة. سوف أشارك معكم بعضًا من الأحداث التي عايشتها بنفسي، وأثرت فيّ، إلى جانب توثيق شهادات لسجينات سياسيات أخريات، خاضت كل منهن تجربة أليمة داخل عدد من مقرات الاحتجاز والسجون المختلفة المخصصة للنساء في مصر، ثم خرجت كل منهن محملة بأفكار جديدة، ومشاهد وأحداث حُفرت في أذهانهن وأرواحهن. يشاركن هذه الذكريات مع الحميع في محاولة لرفض طمس كل ما مضى من تنكيل بالمدافعات والصحفيات في مصر، وإيمانا أيضًا منهن أن الحكاية تستحق أن تروى وتُوثَق. يستحق الجميع أن يعلم كيف يُنظر الى المدافعات والسيدات من وجهة نظر الأنظمة الحاكمة في بلداننا العربية، وبالأخص مصر.

 تقول علياء (اسم مستعار)، ”أُلقي القبض عليّ خلال فترة جائحة كورونا في 2020، اختفيت قسريًا لـ 10 أيام، ثم ظهرت أمام نيابة أمن الدولة العليا، وتم ادراجي على ذمة قضية بتهم الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. في الفترة الأولى قبل التدوير على ذمة قضية جديدة، بقيت محتجزة في مديرية أمن الإسكندرية قرابة ثلاثة أشهر.“ وتضيف، ”طوال هذه الفترة جرى ترحيلنا مرات عدة وفقًا لمواعيد جلسات التحقيق المقررة كل 15 يوم أمام النيابة، ولكني كنت أبقى محتجزة في حبسخانة النيابة“. الحبسخانة هي أول محطة للمتهم في مشوار اعتقاله أو محاكمته، وهي أحد غرف الانتظار والاحتجاز في مقرات النيابة والمحاكم، وعادة ما تكون تحت الأرض، لا يدخلها الشمس، يمكث فيها المتهمين، لحين طلبهم للتحقيق.

تتذكر علياء رحلة سيارات الترحيلات، ”نبقى هناك نحو 12 ساعة مع سجينات أخريات، حتى نهاية اليوم، نظرًا لخوف الضباط والمحققين من انتشار الكورونا، ثم تتحرك عربة الترحيلات باتجاه سجن القناطر للنساء، ليتم رفضنا من قبل إدارة سجن القناطر بسبب الإغلاق المفروض على السجون آنذاك، لتعود بنا الترحيلة مرة أخرى إلى مديرية أمن الإسكندرية، وفي كل مرة كنت أخضع لفحص الدم للكشف عما إذا كنت مصابة بالكورونا أم لا. تكرر الأمر طوال 5 أشهر.“ 

”ذات يوم، وافقت إدارة سجن القناطر على استلامي. أودعت في زنزانة الإيراد [الزنزانة المخصصة لاستقبال الوافدين إلى السجن] وكانت مكتظة بأكثر من 70 سجينة ما بين قضايا سياسية وجنائية. لم أتمكن من النوم في الليلة الأولى، كان الجميع نيام في وضعية السيف [النوم على أحد جانبي الجسم]، علاوة على أن النوم كان مستقطع أي بالتناوب، البعض ينام لساعات قليلة، والبقية مستيقظين، نجلس في وضع القرفصاء أو وقوفًا كي تتاح المساحة للآخرين، على أن يتم التناوب طوال الليل وفقا لأوامر النبطشية التي تعمل على تنظيم عدد ساعات النوم. بقيت هناك نحو أربعة أشهر، إلى أن حصلت على أول إخلاء سبيل. في بداية عام 2023 تم تدويري على ذمة قضية جديدة، وعدت إلى السجن في نهاية ذات الشهر.“

”لا ساعات، ولا فتحات تهوية، ولا شبابيك يمكن أن يستدل بهم الليل من النهار، وكأن الزمن توقف، ولا شيء يتسيد الموقف سوى الصمت والبرد والحشرات“ – مريم

سجينة أخرى تصف معاناة القبض عليها وحبسها في سجون مصر، تقول مريم (اسم مستعار)، ”القيّ القبض عليّ ضمن حملات القبض في عام 2020 من منزلي، اختفيت قسرياً لعدة أيام، حالفني الحظ أنني لم أتعرض خلالهم للاعتداء، وأثناء التحقيق معي في مقر الأمن الوطني، أصر المحقق على سؤالي مراراً، ”قوليلي عملتي إيه عشان نقبض عليكي؟“، استنكرت سؤاله، فمن أين لي أن أعرف؟!“

وتضيف، ”اُحتجزت داخل غرفة متسخة، يفتح بابها مرتين في اليوم للذهاب إلى الحمام، وإدخال الطعام، لم أتناول من الطعام إلا القليل، أتذكر البرد القارس في تلك الأوقات، كانت الغرفة باردة، استعنت بعدة كراسي مهترئة في الغرفة للاستلقاء عليهم، وغطاء رقيق عفن الرائحة، رفضت حينها الاستعانة به لاتقاء البرد القارس… لا ساعات ولا فتحات تهوية يمكن أن يستدل بهم الليل من النهار، وكأن الزمن توقف، ولا شيء يتسيد الموقف سوى الصمت والبرد والحشرات التي تتمخطر ذهابا وإيابا“. 

تقول مريم أيضًا، ”في الخارج كانت أسرتي تتقدم ببلاغات للنائب العام تطالبه بإجلاء مصيري بعد القبض عليّ ومرور ثلاثة أيام على اختفائي، وفي مديرية أمن الإسكندرية أبلغ أحد الضباط أسرتي أنه بالإمكان أن يجلبوا لي طعام و أدوية، فأرسلت لي والدتي ملابس داخلية وطعام. ذات يوم، فوجئت بأحد أفراد الأمن يفتح باب الغرفة في غير مواعيدها المحددة، وأعطاني كيس من البلاستيك، عندما رأيته علمت أنه من المنزل“. وتضيف ”ظهرت أمام نيابة أمن الدولة العليا بحي التجمع الخامس بالقاهرة، كانت التحقيقات تدور حول دراستي الجامعية وعملي وآرائي، ولمن أدليت بصوتي في الانتخابات الرئاسية، أثارت أسئلته استغراب وحفيظة المحامين لعدم وضوح أسباب القبض عليّ. بالطبع اُدرجت على ذمة قضية بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية محظورة. قضيت الشهور الأربعة الأولى من الاعتقال داخل زنزانة مديرية أمن الإسكندرية، زنزانة ضيقة و قميئة، وبمرور الوقت أصبحنا ست سجينات في ذات الغرفة، اضطررنا حينها للاعتراض، وتعالت صرخاتنا، حينها وافق ضباط الأمن على تقسيمنا على غرفتين“.

خلف تلك الأسوار، نصبح أرقاماً!

تتذكر علياء لحظة تصويرها باللوحة المدون عليها رقم وبيانات السجينة بالألم الشديد، تقول ”أمسكت لوحة حديدية صدأة مدون عليها رقمًا في التسلسل الرقمي كسجينة، من الطبيعي أننا جميعًا نفضل التصوير ونحن في أبهي صورة، ولكن حينما أجبرت على التصوير بتلك اللوحة الحديدية التي اعتدت رؤيتها من خلال البرامج والأفلام، يحملها مرتكبو الجرائم، في هذه اللحظة تصورت أنني مثلهم، شعرت بألم وحزن يعتصران قلبي“.

وتستطرد علياء: ”شعرت بالارتباك، وكأنني منفصلة عن الواقع، ما الذي يجري من حولي، هل هذا حقيقي؟ ما الذي أتى بي إلى هنا؟ وما هذه اللوحة والأرقام المدونة عليها… أنا لست مجرمة؟! ولكني أجبرت نفسي على الثبات كي أتدارك الموقف“.

”كنت في حالة ذهول، امسكت باللوحة الحديدية وكأنني مغيبة، لكن بعدما عادت زميلتي للزنزانة بعد تصويرها، أجهشنا بالبكاء معا… وكأنها مرآة رأيت فيها نفسي“ – مريم

هكذا تحدثت مريم عن شعورها حيال تصويرها كسجينة: ”اصطحبتني ذات صباح النبطشية، ليتم تصويري، وعمل تذكرة سجن [ورقة من الكرتون تسجل عليها بيانات السجينة، وصورة شخصية بالجلباب الأبيض]. كنت في حالة صمت وذهول، أجهشت بالبكاء بعدما عادت احدى زميلاتي في الزنزانة عقب تصويرها، وأجهشت هي أيضا بالبكاء أمامي، بكينا معاً، وكأنني كنت في حاجة لأن يواجهني شخص آخر بصعوبة الموقف، شعرت أنني أمام مرآة رأيت فيها ما مررت به قبلها بدقائق، دقائق أشبه بكابوس، أدركته لاحقا“. 

وتضيف، ”ولكن غضبي كان مضاعفًا في سجن دمنهور، ربما لأنها كانت المرة الثانية بعد أن تم تدويري على ذمة قضية جديدة بعد أيام من حصولي على أول إخلاء سبيل في 2020. وكنت أفكر مليًاف في الامتيازات التي حظيت بها في سجن القناطر، والتي كنت محرومة منها أو أعاني للحصول عليها أثناء فترة احتجازي في مديرية الأمن، مثل الذهاب إلى مستشفى السجن أو زيارة الأهل، وخاصة استخدام دورة المياه كلما احتجت إلى ذلك، وأنني لست في حاجة من أمري لإطلاع كل من حولي أنني حائض على سبيل المثال“.

روائح تسكُن الأذهان رغم المسافات..

يتعين علينا صعود ثلاث درجات ممسكين بإطارين من الحديد على جانبي الدرج قبل الدخول إلى الجحيم، أي صندوق السيارة الحديدية المصفحة، زرقاء اللون. ندلف من باب حديدي صغير، علينا أن نطأطئ رؤوسنا للمرور خلاله، كانت هذه اللحظات هي الوحيدة التي كان رأسي فيها مطأطئ طوال فترة الاعتقال. على جانبي صندوق سيارة الترحيلات من الداخل مقعدين، درجة حرارة المقاعد قادرة على حرق أجسادنا في الصيف، وعلى نخر عظامنا من برودتها في الشتاء، لا وجود لمسند أو إطار للاتكاء عليه طوال رحلة مريرة مكررة من النيابة إلى السجن والعكس.

يحتوي كل جانب من جانبي الصندوق على فتحتيّ تهوية، من المفترض أنهما لدخول الهواء والضوء، لكن الفتحات مغطاة بأسلاك رفيعة شائكة طولًا وعرضًا، لديها القدرة على التصدي حتى لنسمات الهواء. رائحة عفنة، سوء تهوية، قمامة ملقاة بطول وعرض السيارة، لطالما أصيب أغلبنا بضيق في التنفس جراء رائحة العفونة والبول القديم، حيث تم نقل سجناء رجال من قبلنا في ذات السيارة.

تذكرت أنا كل ذلك كسجينة سياسية سابقة في خضم الأسئلة التي كنت أوجهها لعلياء. عند سؤالي لها عن الرائحة التي علقت في ذهنها حتى بعد إطلاق سراحها، تسارعت الذكريات إلى أذهاننا، هي وأنا، وفي نفس اللحظة تذكرنا سيارة الترحيلات حينما كانت تقل كل منا على حدى أثناء الاحتجاز.

 تقول علياء: ”اتذكر أيضا رائحة المشاعر، أعني أنني كنت أشم رائحة التوتر والخوف والخطر، مثل التفتيش المفاجئ، ولكني لا زلت “أشم رائحة الفوط الصحية، حيث أصبت في تلك الفترة بنزيف، وكنت أعاني للحصول على فوط صحية.

 تقول مريم، ”حوائط متسخة، ورائحة بول قديم، و دلو صغير في أحد أركان الزنزانة عوضًا عن المرحاض، وفتحة تهوية صغيرة أعلى حائط الغرفة، لا تتسع لدخول نسمات الهواء. كانت الزنزانة تحت الأرض، ولا شيء يكسر الصمت ويلهيني لدقائق عن التركيز في رائحة المكان سوى صوت عجلات ومحرك سيارة الترحيلات في الخارج، بقيت مودعة هناك قرابة أربعة أشهر“. وتضيف، ”استغرقت وقت طويل حتى تخلصت من رائحة البول القديم التي كانت تعبئ الزنزانة، وبعدما ازداد عددنا كسجينات بنفس الغرفة، أبلغنا ضابط الأمن أننا بحاجة ماسة لأن يخصص لنا دورة مياه، حيث لم يتوفر حينها سوى دورة المياه الخاصة بأفراد الأمن“.

زنازين مختلفة، وطرق للتنكيل مختلفة أيضاً

تصف علياء حياتها اليومية داخل السجن قائلة، ”في البداية كنت أتحصل على الكتب والتريض والتلفاز وكافة الحقوق، ولكن في الفترة الثانية بعد التدوير قضيت نحو ثلاثة أشهر في معزل عن باقي السجينات، كنت أمكث لساعات في السرير المخصص لي وكان محاطًا بستائر تسمى الباكية“.

لم يختلف الأمر كثيرًا عما مرت به مريم، تقول ”كنت أتحايل على الساعات والأيام إما بالقراءة أو الاستماع للقصص المتناقلة بين السجينات عن المناوبات، أو قصصهن الشخصية التي آلت بهن إلى السجن. كانت الصفوف سمة المكان، صفوف للحصول على مياه الطرمبة للاستحمام، وصفوف أخرى لملء مياه لإعداد الطعام والغسيل، وصفوف أخرى للحصول على التعيين و الجراية كما نسميها [وجبة السجن المقدمة للسجينات]“.

طمأنينة منقوصة ولهفة مقيدة

 كسجناء/ات لنا الحق في زيارة شهرية مرة واحدة من الأهل، إلا إذا حالفنا الحظ وتصادف حدث أو مناسبة وطنية كي تمنحنا زيارة استثنائية إضافية، تذكرت الزيارات التي استقبلتها كسجينة سابقة أثناء حديثي مع علياء.

أقول لعلياء: كنت استيقظ مبكرًا على غير العادة، حيث الطريق للهروب من ظلمات السجن هو النوم لساعات طويلة، ولكن في يوم الزيارة، الحال مختلف. كنت أجلس بجوار باب الزنزانة في الصباح، استمع لتغريد العصافير التي ضلت طريقها لتقف على أعتاب الزنازين، أراقب الخطوات الأولى للسجانات في الخارج يتفقدن أحوال باحة السجن، كنت أشعر بغصة حيال قدرتهن على التجول ذهابًا وإيابًا خارج الأسوار العالية، أنتظر حتى تحين اللحظة المنتظرة لفتح الباب الحديدي الموصد.

تتعلق عيناي على ظهر النبطشية مع كل خطوة تخطوها باتجاه مكتب ضابط الأمن، وكأنني طفلة معلقة على ظهر أمها تنتظر الوصول لما ترجوه. أجلس متأهبة، متوجسة، ربما يصدر قرار عشوائي اليوم بمنعي من الزيارة. أبقى على هذا النحو حتى تعود النبطشية معلنة الخبر السار، لديكن زيارة اليوم! حينها أتنفس الصعداء، وأهب للاستعداد.

 تشاركني علياء ذكرياتها في تلك اللحظات، فتقول، ”أنا أيضا كنت أتعمد أن أرتدي جلباب نظيف، أمشط شعري لأبدو في مظهر باهي، كي أخفي ملامح الألم والتعب الذي نعيشه كل لحظة داخل الزنزانة، أحاول أن أخبر أسرتي أنني بخير، والأمور على ما يرام، ولكن كلانا على يقين أني أخفي شيئاً“.

وتضيف علياء، ”رأيت والدي ثلاث مرات فقط، أبي رجل مسن، وكان يأتي إلى سجن القناطر القريب من القاهرة من الإسكندرية، يتكبد عناء الطريق كل مرة، لزيارة مدتها 30 دقيقة على الأكثر، داخل غرفة مكتظة بالسجينات، الجميع يتحدثون في آن واحد وبصوت عالي، كنت لا أتمكن من سماعه جيدًا، إضافة إلى السلك الشائك الفاصل بيننا بزعم الحذر من كورونا آنذاك“.

”حينها، طالبت والدي ألا يأتي لزيارتي مجددًا كي أرفع عنه مشاق الطريق، وكان لهذا القرار وقع أليم عليّ، ولكني اضطررت لذلك، واكتفيت بالحوالات المالية لشراء احتياجاتي من كافيتريا السجن“. 

 ”هتزوري مع المخصوص عشان زياتك تكون أحسن، هكذا أخبرتني السجانة سعياً من ضابط الأمن لتحسين زيارتي الشهرية“ – مريم

تصف مريم غرفة الزيارة في سجن دمنهور بالجحيم، حيث عادة ما تكون غرفة صغيرة الحجم مكتظة بالسجينات وأسرهن والسجانات، وعادة لا تزيد مدة الزيارة عن 30 دقيقة حسب أوامر ضابط السجن.

تقول مريم، ”تزور نحو 22 سجينة وأسرهن في آن واحد، صراخ ونحيب من أطفال وسجينات، ذات مرة انهرت من البكاء، وحينها تشاجرت عائلتي مع السجانات وضابط السجن، وطالبتهم بتحسين أحوال الزيارة.

بعد مرور ستة أشهر على زيارتي بنفس النمط، فوجئت ذات يوم أن غرفة الزيارة تخلو من التكدس. التقيت برئيس المباحث ذلك اليوم، وأخبرني أنه علم بمعاناتي في الزيارة مع السجينات اللواتي على ذمة قضايا جنائية، لذلك أمر بتغيير موعد زيارتي لتتوافق مع عدد سجينات أقل، وبعد دقائق وجدت أن زيارتي تم تغيير موعدها كي تتوافق مع موعد زيارة المخصوص، وتطلق كلمة مخصوص على من حُكم عليهن بالإعدام“.

”للوهلة الأولى أصيبت أسرتي بالذعر، حاولت أن أهدئ من روعهم، وقلت ساخرة ما تخافوش مش هيعدموني، في محاولة مني أن أطمئنهم وأطمئن نفسي على حد سواء، الجميع يرتدي الجلباب الأحمر، مقيدين بالأصفاد حتى أثناء الزيارة، كان المشهد مرعب، ولكني اعتدت الأمر، دامت هذه الزيارة قرابة ستة أشهر، أجبرت نفسي على التفكير في الجانب الجيد، وأن زيارتي أصبحت مع عدد سجينات أقل، ويمكنني الاطمئنان على أسرتي ومحادثتهم طوال 20 دقيقة دون عناء“، حسبما تقول مريم.

في الختام، أرفع صوتي بإلحاح لتسليط الضوء على قصص الشجب والتحديات التي تمر بها المدافعات والسجينات السياسيات في مصر، هؤلاء النساء القويات اللواتي شاركن تجاربهن الصعبة. هذه قصص تُعطينا فهمًا أعمق للحياة خلف القضبان. ورغم القسوة اللاتي واجهن، والتحديات التي تكمن أمامهن، استطعن بشجاعة وإصرار تكوين طاقتهن من جديد، وأن يُلهمونا بقوة. هذه القصص ليست فقط روايات فردية بلا هدف، بل هي نداء للمجتمع الدولي للتحرك من أجل دعم حقوق الإنسان والعدالة في مصر، وعدم السماح للمسؤولين عن هذه الانتهاكات بالإفلات من العقاب.

سولافه مجدي صحفية مصرية، مدافعة عن حقوق الانسان، وسجينة سياسية سابقة. وباحثة زميلة بمعهد التحرير في زمالة باسم صبري للديمقراطية

: اقرأ التالي

هل قام المجتمع الدولي بما يلزم لإيقاف الحرب الدائرة في السودان؟ الجواب بسيط، للأسف. بالطبع لا،…

يلقي عمر طالب نظرة معمّقة على الظروف السياسية والتكييفات القانونية التي أدت إلى إسقاط تهم الفساد…

يعاني "نزلاء" السجون الجديدة في مصر من عنف خفي وانتهاكات منهجية، بينما تقول الدولة أنها طورت…