أزمات وأنظمة متصدعة: تأملات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2024

يحمل العام الجديد الكثير من التحديات لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ما أهم هذه التحديات، وكيف يمكن التعامل معها؟ يجيب زملاء معهد التحرير غير المقيمين عن تلك الأسئلة، كلٌ حسب تخصصه


”الاستدامة“: هي الكلمة التي يتعين على كل المهتمين بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تذكرها في ٢٠٢٤، حيث أن المنطقة تواجه مجموعة من الظروف السياسية غير المستدامة، التي تعد المشهد لهز استقرار عدد من الدول، كما يتضح من المساهمات أدناه. 

تفرض النخب السياسية في لبنان حالة من الشلل على البلاد تمكّنها من استغلال الأزمة الإقتصادية الطاحنة التي أفقرت أكثر من ٨٠% من السكان، لتجبرهم على استجداء المساعدات من زعماء الطوائف التي ينتمون لها. وفي تونس، بينما يستقر الحساب الجاري للبلاد، يظل النظام الاقتصادي في حاجة ماسة للإصلاح، عاجزًا عن خلق الاستثمارات ودفع النمو، وبالتالي توفير فرص العمل التي يحتاجها التونسيون، خاصة الشباب منهم.

ويستمر أطراف الحرب في السودان في الاقتتال الذي شرّد ملايين البشر، وقتل عشرات الآلاف وضرب بنية الدولة في صميمها. يُذكر أن طرفي الصراع كانوا الشركاء المفضلين لبعض الأطراف الدولية أثناء الفترة الانتقالية في البلاد، على حساب القوى المدنية. 

ولا يزال الإفلات من العقاب هو العنوان الرئيسي في سوريا حيث يرفض بشار الأسد دعوات التغيير بينما تصعّد قواته اعتدائها على المدنيين في إدلب، وهو أكبر تصعيد عسكري لها منذ أربع سنوات. أيضًا، يبدو أن مبادرات دول الجوار للتطبيع مع النظام بدون محاسبة مقابل السيطرة على تصدير الكبتاغون قد فشلت. 

وفي مصر، تزداد سوءًا الظروف التي خرج بسببها الملايين على حسني مبارك عام ٢٠١١، وأهمها الفساد والفقر والقمع وفقدان الأمل في مستقبل أفضل. وكانت الحكومة وقعت على قرض وحزمة إصلاحات اقتصادية مع صندوق النقد الدولي منذ أكثر من عام، إلا أنها لاتزال ترفض الحد من بذخ النظام الذي وضع البلاد على حافة الإفلاس.

وأخيرًا، انفجرت الأوضاع في غزة بعد ١٧ عام من الحصار والجمود الدبلوماسي ليشهد القطاع واحدة من أكثر حلقات العنف دموية في في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بآثار ممتدة إلى مصر ولبنان وسوريا واليمن والعراق. وبات واضحًا أن التركيز على التطبيع وتجاهل الأسباب الجذرية للصراع لم يؤتِ النتائج التي كانت ترجوها بلدان الشمال.

بالنظر للمستقبل، أصبح واضحًا أن الحلول المرتجلة لم تعد تصلح كبديل للّخيار الاستراتيجي ببناء نظم سياسية مستدامة في المنطقة. على الحكومات الغربية إدراك أن سياسة تدليل وتسليح ودعم النظم الاستبدادية مقابل فترات قصيرة من ”الإستقرار“ تؤدي حتمًا إلى الفوضى والتهجير والعنف على المدى الطويل.

ولذلك بات ضروريًا إضافة الاستدامة السياسية كأولوية بجانب المناخ والاستدامة الاقتصادية إذا أردنا توفير فرص للحياة الكريمة لشعوب المنطقة، وهو الشرط الجوهري لتحقيق الاستقرار التي دائمًا ما تؤكد الحكومات أنها تستهدفه.

سألنا الزملاء غير المقيمين في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط عن رأيهم في أولويات السياسات العامة في ٢٠٢٤، وهكذا كانت إجاباتهم: 


لبنان

عمر طالب

تلقي احتمالية نشوب حرب شاملة مع إسرائيل بظلالها على الأفق اللبناني في ٢٠٢٤، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية والسياسية والقانونية العالقة من السنوات السابقة كنتيجة لتقاعس السلطات عن العمل لحلها.

تدخل الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي هوت بغالبية السكان تحت خط الفقر، عامها السادس حيث لا يزال المسؤولون غير قادرين على إجراء الإصلاحات اللازمة، وغير راغبين فيها. يرتبط هذا الأمر بشكل وثيقً بفشل البرلمان في انتخاب رئيس جديد للبلاد منذ انتهاء ولاية ميشال عون في أكتوبر ٢٠٢٢.

على الصعيد القضائي، عملت المحاكم بشكل أكثر استقرارًا العام الماضي مقارنة بالسنوات السابقة التي شهدت إضرابات وجائحة كوفيد-19. إلا أن التحديات اللوجستية تظل قائمة، ومنها أن زيادات الرواتب للقضاة والمساعدين القانونيين لا تزال غير كافية لمواجهة معدلات التضخم العالية، مما يزيد من إحتمالية حدوث المزيد من الإضرابات في العام الحالي. كما أن القوى السياسية في البرلمان تعيق تمرير مشروع قانون تم طرحه عام 2018 حول استقلال السلطة القضائية، والذي يعتبر ذو أهمية قصوى ولكنه لا يزال قيد المراجعة في اللجان النيابية.

يستمر أيضًا التدخل السياسي الصارخ في السلطة القضائية، مسلطًا الضوء على عجز التشريعات الحالية عن ضمان استقلال المحاكم. مثلًا، تتقاعس السلطات السياسية عن ملئ بعض المناصب الشاغرة في أعلى محكمة في البلاد، محكمة التمييز.

هذا التدخل هو أحد الأسباب وراء تعثر تفعيل المساءلة وتحقيق العدالة في بعض القضايا الرئيسية، مثل انفجار مرفأ بيروت عام 2020، وفي القضية المرفوعة ضد محافظ البنك المركزي السابق رياض سلامة.


مصر

مصطفى الأعصر

من المرجح أن تشهد مصر موجة جديدة من القمع عام ٢٠٢٤، مع بدء الولاية الثالثة للرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي فاز بها من خلال انتخابات نالت انتقاداتًا واسعةً وتشكيكًا كبيرًا في نزاهتها نهاية العام الماضي. وأظهرت السلطات إصرارها على إسكات جميع الأصوات المعارضة خلال الانتخابات، والتي بدأت بإحالة ”صحيح مصر“، وهي مبادرة صحفية مستقلة معنية بتدقيق المعلومات، للتحقيق بسبب كشفها عن التكتيكات المستخدمة لفرض رقابة على التغطية الصحفية للانتخابات.

يرتبط الاستمرار في خنق الحريات المدنية برغبة الحكومة في التغطية على العواقب الكارثية لسياساتها الاقتصادية الفاشلة، التي أدت إلى ارتفاع الأسعار بوتيرة غير مسبوقة و نقص العملة الأجنبية، بالإضافة لارتفاع مخاطر العجز عن سداد الديون الخارجية.

تحملت الأسر المصرية، ومازالت، عبء هذه السياسات السيئة منذ عقد من الزمان، على الأقل، تقلصت فيها قدراتها الاقتصادية مع تباطؤ الزيادات في الدخول، وانخفاض القيمة الحقيقة للمدخرات كنتيجة لضعف الجنيه المصري. لا ينبغي، إذن، تجاهل خطر زيادة الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط سواء عن طريق الشواطئ المصرية أو الليبية.

وبشكل عام، الظروف الداخلية للبلاد ستظل غير مستقرة في ٢٠٢٤، ونتوقع أن تُواجه أي تحركات شعبية لطلب التغيير بحملات قمع مكثفة، وهو السيناريو المألوف في تلك الحالات.

لن تحقق الحكومات الغربية الاستقرار التي تنشده في المنطقة من خلال دعم الحكومات القمعية. ويبدو أن قدرة القاهرة على حماية المصالح الغربية مقابل غض الطرف عن سجلها المتردي في مجال حقوق الإنسان تنخفض بشدة، مما يشير إلى الحاجة الملحة إلى تغيير جذري في السياسات.


السودان

محمد عثمان

يستمر الصراع في السودان في إلحاق أضرار بالغة بالمدنيين. ولا تزال الاستجابات الإقليمية والدولية للأزمة ضعيفة وغير كافية، مما يضاعف من معاناة الناس وأيضًا من التكلفة المفروضة على البلاد.

يجب على صانعي السياسات الإقليميين والدوليين التخلي عن قواعد اللعبة الحالية، وتخصيص المزيد من الموارد للتركيز على إعطاء الأولوية لحماية المدنيين، خاصة في دارفور.

وينبغي على الجهات الدولية التركيز على المساءلة، وتقييد قدرات الأطراف المتحاربة على إلحاق المزيد من الضرر باستخدام عقوبات مستهدفة وحظر توريد الأسلحة.

في الوقت نفسه، ينبغي على الجهات الدولية التفاعل مع مجموعة أوسع من الفاعلين، خارج النخب السياسية بشكل رئيسي، بما في ذلك مجموعات المتطوعين و لجان المقاومة، والمدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ونقابات العمال مثل نقابة أطباء السودان، والجماعات التي تمثل السكان المشردين واللاجئين. وبذلك، سيتمكنون من تصميم وتنفيذ سياسات أكثر استنارة قادرة على إنهاء الصراع ومنع تكراره في المستقبل.

ريم عباس

في عام 2024، يتعين على صنّاع السياسات التركيز على انعدام الأمن الغذائي كمسبب ودافع للّصراع المندلع في السودان.

أظهرت الحرب الدائرة في البلاد منذ أبريل ٢٠٢٣ أن الزراعة ليست ضرورية فقط لاقتصاد البلاد، ولكن أيضًا لضمان قوة نسيجها الاجتماعي واستقرار وأمان مجتمعاتها المتنوعة. تقدّر المجتمعات الزراعية، غالبا، دور الأسرة والمجتمع والعلاقات الاجتماعية، كما تميل في العموم نحو الحل السلمي للصراعات.

 وبناءً على ذلك، فيمكن العمل على تعزيز الزراعة ودعمها كأداة لنشر وبناء السلام في السودان، لأنها تجمع الناس معًا كشركاء لهم مصالح متساوية، سواء كانوا مزارعين أو مالكين للأراضي.

فقد برزت الزراعة خلال الصراع السوداني كوسيلة لاستقرار المجتمع، حيث أن القدرة على إنتاج الطعام تعزز الشعور بالأمان حتى في غياب الدولة وانعدام الخدمات الضرورية. ونجحت بعض المجتمعات الزراعية السودانية في إنشاء مناطق آمنة وتأمين مواردها، واستخدام أي ربح لتحسين خدمات التعليم والرعاية الصحية في منطقتها. ومن هنا ينبغي أن تتجه الأولوية السياسية لمزيد من الدعم والحماية لتلك المجتمعات.


سوريا

آلاء عسّاني

في عام ٢٠٢٤، يجب على صنّاع السياسات التركيز على القضايا المتعلقة بحقوق السكن والأرض والملكية في سوريا، مع أخذ المنظور الجندري بعين الاعتبار، بهدف حماية هذه الحقوق وضمان تعويض عادل للمهجّرين والمهجّرات السوريين، وتسهيل عودتهم الطوعية الآمنة الكريمة إلى ديارهم الأصلية.

 يتم التلاعب بالقانون السوري وتطبيقاته لمعاقبة اللاجئين واللاجئات وتغيير التركيبة السكانية من خلال التهجير القسري والتغيير الديمغرافي عن طريق مصادرة الممتلكات ومشاريع إعادة التطوير. ويعتبر استعمال حقوق السكن والأراضي والممتلكات كسلاح ضد الناس انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان.

بالإضافة إلى ذلك، تعيق التقاليد الاجتماعية في البلاد، والمدعومة بتفسيرات مشوهة للتشريعات المدنية والدينية، النساء من الوصول إلى حقوقهن في السكن والأرض والميراث. من الضروري مراقبة وتوثيق تلك الانتهاكات بطريقة تتبنى نهجًا نسويًا يركز على الضحايا للتعامل معها، وتعزيز المساءلة أيضا بطريقة شاملة.

من المهم أيضًا أن ندرك أن السياق الأكبر في سوريا لا يزال يشكل تحديات كبرى. يجب على المجتمع الدولي أن يمنح الأولوية لحل سياسي يقوده السوريون بالتزامن مع وضع آليات للمساءلة لتحقيق سلام مستدام في البلاد، بدلاً من التركيز فقط على الاستجابة الطارئة والإنسانية. هذا التحول في الأولويات ضروري للتخلص من تهميش حقوق السكن والميراث في جداول أعمال صنّاع السياسات، والذي سيساعد بدوره في إنهاء الدمار المستمر الذي يعيشه السوريون والسوريات منذ ما يقارب ثلاثة عشرة عامًا.

وفا مصطفى

يتحتم على صنّاع السياسات في ٢٠٢٤ الاهتمام بتفعيل سُبل المسائلة عن الجرائم المستمرة التي يرتكبها نظام الأسد، مع التركيز بشكل خاص على حالات الاختفاء القسري، وتعزيز الدور المحوري لأسر المحتجزين في هذا المسعى. هناك ما يقرب من ١٥٥ ألف شخص معتقل أو مختفي قسريًا بسوريا، لا تزال عائلاتهم تبحث عنهم وتحاول تحديد أماكنهم، وتسعى لتحقيق العدالة.

على صنّاع القرار الأخذ بوجهات نظر العائلات كسبيل لصياغة سياسات قوية ووضع أسس لحلول شاملة. غالبًا ما تعمل أسر المحتجزين في المنفى في سياقات سياسية واجتماعية معقدة في بلدان مثل تركيا أو لبنان أو حتى ألمانيا؛ وهي مسألة تحتاج إلى الاعتراف بها والتعامل معها أثناء سنّ السياسات. لا يواجه هذا النهج الجرائم المستمرة في سوريا بشكل مباشر فحسب، بل يعزز أيضًا الروابط بين القضايا التي تتطلب اهتمامًا وعملًا جماعيًا.


تونس

لمين بنغازي

في تونس، زاد الاستياء من وعدم التصديق في جدوى القانون الدولي لدرجة غير مسبوقة، مع فشل النظام العالمي في وقف الفظائع الإسرائيلية في غزة، بالإضافة للمعايير المزدوجة التي تطبقها الدول الغربية في التعامل مع معاناة الأوكرانيين في حربهم مع روسيا مقارنة بالفلسطينيين، ما عزز الاقتناع بعدم اكتراث الغرب بالمِحن التي تواجهها شعوب دول الجنوب.

في الوقت نفسه، تواجه المنظمات غير الحكومية التونسية، على غرار نظيراتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، عقوبات من قبل المانحين بسبب مواقفها المؤيدة لفلسطين. هذه السياسات لا توسع الفجوة بين الغرب والعالم العربي فحسب، ولكنها أيضا تضعف الإطار العالمي للنضال السلمي.

يستغل النظام الاستبدادي للرئيس قيس سعيد تلك الفرصة لتقزيم الانتقادات التي تأتي من الخارج، وتصوير المعارضة الداخلية على أنها عميلة للغرب المتواطئ في جرائم الحرب، وهو ما يمهد الطريق لاتخاذ المزيد من الإجراءات القمعية، تحديدًا لاستهداف مساحات العمل المدني.

ينبغي لصنّاع القرار في الغرب أن يأخذوا في اعتبارهم هذه التحولات الجوهرية، بينما يجب على النشطاء في المنطقة أيضا أن يقاوموا إغراءات رفض نظام حقوق الإنسان الدولي بشكل تام، بل عليهم العمل على استعادته واستعمال أدواته لخدمة قضاياهم. 

بذلك، يستطيع النشطاء تحقيق هدفين رئيسيين، الأول هو فضح ازدواجية المعايير في بعض الدول الغربية، وأيضًا إطلاق دعوة حازمة للمساءلة والعدالة، وهما العنصران الضروريان لاستعادة الثقة في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان كمؤسسات ونصوص.

أيوب المنزلي

من المرجح أن يشهد النظام السياسي والاقتصادي في تونس تحولات كبيرة خلال عام ٢٠٢٤، ولذلك يجب على صنّاع السياسات النظر للدروس المستفادة من الثورة التونسية، لأن الأسباب التي أدت لقيامها – عقود التقشف، والخطط التنموية المستغِلة والسياسات الاقتصادية الفاشلة – هي نفسها الأسباب التي أدت إلى اضمحلال هذه الثورة. لذلك نقول أنه من المستحيل إضفاء الطابع الديمقراطي على نظام لم يُحرر بعد من آثار الاستعمار. 

وبناء عليه، يجب أن تأتي قضايا السيادة النقدية والغذائية على رأس أولويات السياسات في ٢٠٢٤، بالإضافة لتعزيز السيادة في مجال الطاقة، ووضع خطط لانتقال عادل نحو الطاقة المستدامة بطريقة تفيد السكان والشركات الأوروبية معًا، وليس الأخيرة فقط. 

من الضروري كذلك العمل تجاه سياسات تتيح تطوير قطاعات اقتصادية ذات قيمة مضافة أعلى، والتفاوض على اتفاقيات تجارية أكثر عدلاً للهروب من العجز الهيكلي للميزان التجاري ومن دوامة الديون. 

تتطلب هذه السياسات معالجة تركيز الثروة والسلطة في تونس عبر فرض الضرائب التصاعدية وتعديل القوانين بهدف خلق نظام اقتصادي أكثر إنصافًا وشمولًا كوسيلة لخلق نظام سياسي أكثر ديمقراطية. 


 مسائل إقليمية

منى شتيه

تتطلب التحديات الكبيرة التي تشهدها المنطقة في عام 2024 اهتمامًا خاصًا من صنّاع السياسات في مجال الحريات الرقمية.

أولًا، يجب دراسة التطورات في التشريعات التي تمس الحقوق الرقمية بعناية، حيث تم مؤخرًا تمرير قوانين جديدة في دول مثل لبنان والأردن والجزائر. هذه التطورات بإمكانها إعادة تشكيل هيكل الحقوق الرقمية في تلك البلاد، ما يؤثر على حريات المواطنين وخصوصياتهم، خاصة في ظل تقلص المساحات المتاحة للمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين والصحفيين والمجتمع المدني في المنطقة ككل.

إلى جانب ذلك، تظهر الحاجة الُملحة لتحليل تطورات الذكاء الإصطناعي، وفهم آثارها المجتمعية بشكل متعمق. يسمح استكشاف التقاطعات بين الذكاء الاصطناعي واللامساواة في المنطقة لصانعي السياسات والمناصرين بالتصدي الاستباقي للتفاوتات التي قد تخلقها التكنولوجيا، وضمان مشهد رقمي أكثر شمولًا وعدلًا.

كما تبرز خطورة مسألة الرقابة في العام الحالي، خاصةً مع التهديد المتزايد من قبل الحكومات التي تستخدم تكنولوجيا المراقبة كسلاح من خلال استغلال البيانات لقمع حرية التعبير وانتهاك حقوق الأفراد في الخصوصية داخل العالم الافتراضي وخارجه.

 هناك حاجة ملحة إلى تقييم تلك التأثيرات على الخصوصية والحريات المدنية. يجب على صنّاع السياسات الاعتراف بضرورة وجود قواعد متفق عليها عالميًا تحقق التوازن الدقيق بين التدابير الأمنية وحماية حقوق وحريات الأفراد.

التعامل مع هذه القضايا يتطلب التعاون بين المدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات حقوق الإنسان الرقمية على المستوى المحلي، الإقليمي، والدولي في صراعهم التقاطعي ضد تضييق المساحات الناتج عن سياسات شركات التكنولوجيا والحكومات على حد سواء.

مارك أيوب

زلزلت الحرب على غزة المشهدين السياسي والجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها، وهو ما نرجح استمراره خلال عام ٢٠٢٤.

إحدى تبعات الحرب المقلقة تتعلق بقطاع النفط والغاز شرقي المتوسط، وامتداد تأثيراتها لتصل لبنان وسوريا وبعض الدول الأوروبية، تحديداً قبرص واليونان. ولم يتضح بعد كيف سيتعامل اللاعبون الجيوسياسيون الكبار مع تلك القضايا في العام الجديد.

استضافت المنطقة أيضاً في ٢٠٢٣ قمة المناخ للعام الثاني على التوالي، لتشهد عددًا من التعهدات والمعاهدات التي يتعين على الحكومات العمل على تحويلها إلى واقع من خلال تغيير التشريعات والسياسات المحلية، بالإضافة إلى زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة والابتعاد عن استخدام الوقود الأحفوري. 

سيكون من المهم أيضًا التركيز على مسألة تمويل المناخ لمعرفة كيف سيتم تغذية صندوق تعويض الخسائر والأضرار التي تتكبدها الدول النامية جرّاء التغير المناخي، والذي تم الإتفاق عليه خلال قمتيّ المناخ في شرم الشيخ ودبي، وتحديد حجم الأموال التي ستتمكن منطقة الشرق الأوسط من اجتذابها.

كذلك شهد عام ٢٠٢٣ تفاقماً في اللامساواة في الحصول على الطاقة في ظل النزاعات والأزمات الاقتصادية والبيئية في بلاد مثل مصر ولبنان والسودان وسوريا وغيرها. من المهم دفع صانعي السياسات إلى معالجة تلك التفاوتات على الصعيدين الوطني والإقليمي لحماية المجتمعات الضعيفة، وضمان توفير الطاقة بطريقة عادلة ومنصفة وبأسعار ميسورة.

نورا نورالله

لا تحتل القضايا الجنسية والجندرية، وخاصة المتعلقة بمجتمع الميم، مكانًا في قائمة أولويات صانعي القرار حول المنطقة، وذلك بالرغم من تزايد العنف الرسمي وغير الرسمي ضد تلك المجموعات خلال السنوات الماضية كتعبير عن التدهور العام في حالة حقوق الإنسان وسيادة القانون في المنطقة. ونتج عن ذلك تقلص المساحات المتاحة لمجتمع الميم واشتداد القيود على الحقوق الأساسية لأفراده. 

وبرغم ذلك، تتميز الأقليات الجنسية والجندرية في المنطقة بقوة صمودها وقدرتها على الابتكار في وجه القيود. لكن لا يعني ذلك أن تُترك تلك المجموعات لتكافح وحدها من أجل حقوق الإنسان. لذا، هناك حاجة لتكامل أكبر داخل الدوائر السياسية لتضمين قضاياهم في استراتيجيات الدعوة والمناصرة المستقبلية خلال عام ٢٠٢٤.

 تشمل هذه القضايا ضمان حق الرعاية الصحية الكافية للأشخاص ثنائيي الجنس البيولوجي (الانترسكس)، والعابرين والعابرات جنسيًا، وضمان حق الوصول إلى العدالة، ودعم مجموعات المناصرة المحلية، والبحث عن فضاءات بديلة لتلك التي فُقدت في السنوات الماضية.

: اقرأ التالي

هل قام المجتمع الدولي بما يلزم لإيقاف الحرب الدائرة في السودان؟ الجواب بسيط، للأسف. بالطبع لا،…

يلقي عمر طالب نظرة معمّقة على الظروف السياسية والتكييفات القانونية التي أدت إلى إسقاط تهم الفساد…

يعاني "نزلاء" السجون الجديدة في مصر من عنف خفي وانتهاكات منهجية، بينما تقول الدولة أنها طورت…